توفي الشاعر والمترجم اللبناني بسام حجار صباح أمس، بعد صراع مرير مع مرض السرطان، وهو من مواليد عام 1955، وعرفناه في جريدة النداء وفي ملحق جريدة النهار وملحق نوافذ في جريدة المستقبل.بسام حجار هذا الشاعر الذي طالما أحببت كتاباته وتابعت إصداراته، لم ألمحه يوماً في مقاهي بيروت، أو في النشاطات الثقافية أو المنتديات، لقد رأيته مرات قليلة يصعد أوتوبيساً أثناء عودته الى مدينه صيدا الجنوبية التي ولد فيها وبقي فيها طوال حياته، شاعراً مدينياً لم تدخل «الأصنام الريفية» معجمه اللغوي باستثناء «السروة»، كتب أفضل الشعر ولم يدخل في «معمعة» السجال الشعري ولا «نميمة» المقاهي، إنه الشاعر العابر بأجنحة اللغة إذا جاز التعبير، أو هو الشاعر العابر في الحياة بأدوات تعبيره، ربما كانت اللغة مسكن وجوده.
من يقرأ رواية «غرفة مثالية لرجل مريض» للروائي الياباني يوكو أوغاوا والتي ترجمها حجار، يعرف سيرة هذا الشاعر وسيرة مرضه في الأشهر الأخيرة، فهو الذي طالما وُصفت كتاباته بالكافكاوية (نسبة الى فرانز كافكا)، خصوصاً أنها تتحدث بسوداوية عن الأشياء المحيطة، أو أشياء الغرفة كالظلال والصورة والأخت والابن والطاولة والكأس واليد، وأخيراً كتب عن «المزارات» وأنسنتها. هو يعطي حساً دافئاً للأشياء التي يكتب عنها سواء الجدار أو الظل أو الشجرة، أشياء يوزع عليها مفرداته القليلة ويربطها في مفاصل حميمة ذات طابع شعري خالص، يلامس الحياة المباشرة، العلاقات البسيطة، العواطف الشخصية والعائلية، الخسارة والفقدان المباشرين، الغائبين الدائمين، الحب والموت، الحب والحياة، والكائنات، فهو يقول: «أيها الضوء... سوف تحيا من بعدي... وسوف تنير الغرفة التي لن أكون فيها، والكرسي الخالي من جسمي القليل، والسرير الخالي من أرقي، والورقة التي لم تكتب عليها قصيدتي... أيها الرجل الذي كان هنا لايزال، مرة كل عام تأتي إلي لتزور قبرك».
تجربة خاصة
يقول أحد النقاد إن تجربة حجار خاصة ليس في آلياتها فحسب ولكن في أغراضها، فإذا كان في شعر حجار ما يذكّر بفن فان غوغ، أي حب الأشياء الأليفة وقراءة العالم القريب بحب، فإن في شعره أيضاً ما يشبه جياكوميتي، وهو يجمع في أشعاره وقصائده وكتاباته بين حبه للتراث («لسان العرب» تحديداً) وحبه للشعر الغربي أيضاً، وقد أوجد بين التراث والحداثة لغته الخاصة التي لا تشبه إلا نفسها، ففي «معجم الأشواق» يشعر القارئ أنه يقرأ كتاباً من الزمن العباسي، يحاور حجار في كتابه «معجم الأشواق» تجارب العشق في تاريخ الأدب العربي، يستحضر أشعار المجنون ويحاورها، يحضر في «معجم الأشواق» و «طوق الحمامة»، أشعار المجنون والمتصوفة بحيث يتم التأمل فيها واستنطاقها وبناء نص يحاور مجموعة من الكتّاب والكتب المهمة في تاريخ الأدب والفكر الإنسانيين. ينطلق من مقاطع منها ليؤسس لخطاب عاشق ظل لفترة من الزمن سجين الإهمال والعزلة.
في «كتاب الرمل» يحاكي حجار بورخيس من عنوان الكتاب، ويسافر في الحفر اللغوي، يسأل: ما الذي يجمع بين «السفر» في صحراء والكهانة؟ ليس اللغة وحسب، بل السحر الذي يلازم منطق الصحراء الذي هو خلف المنطق، ففي الصحراء جهات تشير إليها نجوم السماء، وليست الطرق (أو الأطرقة) هي التي يسلكها المسافر لتفضي به، بل هو المسافر الذي يفضي بالطرق، إذ يخطها سعياً، إلى الجهات. ومن سحرها أيضاً أن كل شيء فيها عابر، كأنها وهي التجلي المطلق للوجود البدائي العاري، المجال المثالي لحكمة الزوال، حتى ما يضاف إليها من سعي البشر (المسافر) يتمثل في سراب، كغيره، وذلك أن الحقيقة الوحيدة في الصحراء هي السراب، والسراب هو ما تزينه العين الناظرة إلى بعيد لا يحد، فتحيل الرمل ماء. كل حقيقة عابرة زائلة، ومنها الطريق، فلا يحين ميقات الهبوب حتى تعاود الصحراء ترتيب مساحتها وتبتلع الرمال، في حيلة جيولوجية فاتنة، ما تركه العابرون من أثر».
من مؤلّفاته:مشاغل رجل هادئ-1980، لأروي كمن يخاف أن يرى-1985، فقط لو يدك-1990، صحبة الظلال-1992، مهن القسوة-1993، مجرد تعب-1993، معجم الأشواق-1994، حكاية الرجل الذي أحب الكناري-1996، مديح الخيانة-1997، بضعة أشياء-1998، كتاب الرمل-1999، سوف تحيا من بعدي-2001، البوم العائلة-2003، تفسير الرخام-2007.
وله الكثير من الترجمات.