معظم التشكيلات الحكومية يعاني خللاً جوهرياَ في أصل قيامه وطريقة توليفه وفلسفة تشكيله، ولهذا فإن الضريبة الحقيقية التي يدفع ثمنها البلد والشعب تكمن في إهدار الأهداف الرئيسية الثلاثة التي يؤمل ويعول عليها عند تشكيل أي حكومة جديدة، وهي: توجيه السياسة العامة للدولة، وتطبيق برنامج عمل واضح وطموح، وتجسيد مبادئ الدستور خصوصا ما يتعلق بالعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين.

Ad

والسبب الرئيسي في ضياع مثل هذه الأهداف المهمة يكمن في سرعة فشل الحكومات وسقوطها المبكر والبدء في إعادة تشكيلها من جديد، وعلى عكس المنطق والخبرة والنضج السياسي الناجم عن كثرة عدد الوزارات المتعاقبة خصوصاً منذ عام 1992 حيث تولد كل حكومة جديدة أقل انسجاماً وأضعف من حيث التركيبة البنيوية وأقصر عمراً من سابقاتها.

والمحصلة النهائية لهذه الفلسفة في التشكيل الحكومي تتعدى حاجز الفشل وعدم الاستقرار السياسي لتشمل المزيد من التراجع والتخلف وهدر الأموال العامة، حيث يبدأ التفكير في إعداد سياسة عامة للدولة من جديد، وتعاد صياغة البرنامج الحكومي لتبدأ من الصفر وتتبخر الأموال العامة التي صرفت على مراحل البرنامج السابقة، أما الخطر الأكبر فيكمن في سرعة قيام بعض الوزراء بانتهاك مواد الدستور ومبادئ العدالة والمساواة سواء في تعيينات المناصب العليا أو في طريقة إرساء مشاريع الدولة أو وضع الموازنات المالية وبمباركة وموافقة مجلس الوزراء في معظم الأحيان، وذلك في سباق مع الوقت القصير لعمر الوزارة والسعي لتسجيل وتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب قبل زوال الحكومة.

ولعل ما يزيد من «مأسسة» هذه الفلسفة في التشكيل الحكومي طريقة لهاث بعض القوى السياسية والتيارات الاجتماعية للدخول في أي حكومة جديدة، ولهذا لا نتعجب أو نستغرب من الأنباء الواردة حول الضغوط والمساعي والتهديدات المبطنة وحتى الصريحة لهذه القوى من أجل الاحتفاظ بموطئ قدم في الوزارة القادمة بمجرد الإعلان عن قبول استقالة الحكومة الحالية، وبشروط مسبوقة وتحديد الحقائب المرغوب فيها مقدماً.

وإذا ربطنا بين هذه المساعي الحثيثة لدخول الوزارة القادمة والمعلومات التي بدأت تتسرب حول الفضائح الإدارية والمالية وكذلك التعيينات الحساسة وبعض مشاريع القوانين التي دفع بها قسراً بعض الوزراء من ممثلي التيارات السياسية، يكون من الواضح جداً أن اقتتال هذه القوى السياسية على الوزارة لا يخدم أصل فكرة المشاركة في صنع القرار وتحديد ملامح السياسة العامة للدولة وهو مبدأ دستوري وضعه المشرع من أجل خلق دولة القانون والمؤسسات فحسب، بل إنه يضيف أيضا المزيد من الضغط والتناقض في العمل الوزاري الذي يشترط فيه التضامن والانسجام، كما أنه يفيد بأن الدخول في الوزارة لا يتعدى كونه تحقيق اختراقات رسمية لمنافع ومصالح فئوية محددة.

وإلا كيف تقبل القوى السياسية الدخول في حكومة تعلن برنامجا يقوم على منطلقات ورؤى تتناقض مع البرامج الانتخابية والشعارات السياسية التي نجحت من خلالها هذه القوى في الوصول إلى مجلس الأمة وترجمتها فور نجاحها على شكل اقتراحات بقوانين وأولويات أو حتى إلى استجوابات لمساءلة الحكومة عليها في حالة عدم الالتزام بها؟

ولهذا يجب أن تكون هذه القوى السياسية على درجة من الوضوح والمصداقية ونحن أمام إعادة تشكيل حكومي جديد في قرار المشاركة في الوزارة القادمة، على الأقل حتى لا تزيد الطين بلة وحتى تتضح الرؤية أكثر أمام الرأي العام الشعبي لتشخيص مكامن الخلل الرئيسية في واقعنا السياسي.