من سيملأ الفراغ؟

نشر في 08-06-2008
آخر تحديث 08-06-2008 | 00:00
 صالح القلاب هذا السؤال موجه إلى الذين شنوا حملة «قومية» ضد الحكومة العراقية لأنها دخلت في مفاوضات مع الأميركيين لتنظيم احتلالهم للعراق، ولتوقيع اتفاقية معهم حول مستقبل هذا الاحتلال: لنفترض أن القوات الأميركية حزمت أمتعتها وأغلقت معسكراتها ورحلت خلال أسبوعين أو شهرين، فماذا سيحصل يا ترى؟ وما القوة التي ستملأ الفراغ الذي سيحدث على الفور بحكم عوامل كثيرة معروفة؟!

أولا: إن الجيش العراقي بحكم تركيبته الحالية وبحكم ضعف تسليحه وبحكم أن الواقع الطائفي والإثني المتأجج والمشتعل حاليا في العراق لايزال غير قادر حتى الآن على ضبط الأوضاع في بلد هذه هي أوضاعه، حيث الحرب الأهلية، وحيث العمليات الإرهابية تنتقل من مدينة إلى أخرى، ومن شارع إلى آخر، ومن محافظة إلى محافظة ثانية.

ثانيا، إن هذه العصابات الطائفية والإرهابية التي تسمى «مقاومة»!! ستبادر فورا في حال رحيل القوات الأميركية إلى تسابق للسيطرة على المدن والقرى والأحياء وستشعل نيران حرب أهلية، في بلد يعيش حالة حرب أهلية أصلا، قد تتواصل أعواما طويلة وهي ستنتقل حتما إلى بعض دول الإقليم بحكم هذا التداخل القائم الآن في المنطقة، وبحكم أن هناك قوى إقليمية تنتظر لحظة كهذه اللحظة منذ أن بدأ الأميركيون احتلالهم للعراق في عام 2003. ولذلك فإن الجهة الوحيدة، في ظل الانكفاء العربي وفي ظل تردد الدول العربية في إعادة فتح أبواب سفاراتها في بغداد، المؤهلة فعلا لملء الفراغ الذي سينشأ حتما في حال انسحاب القوات الأميركية بينما هذا وضع العراق، هي إيران التي لها وجود عسكري حقيقي وفاعل وجاهز للتحرك من خلال حراس الثورة وفيلق القدس وميليشيات جيش المهدي، ومن خلال الاختراقات في الأجهزة الأمنية العراقية الرسمية.

إذا انسحبت القوات الأميركية من دون اتفاقية تضبط هذا الانسحاب وتضبط وجود هذه القوات قبل انسحابها فإن إيران ستبادر إلى السيطرة على العراق، إن لم يكن كله، فعلى المناطق الجنوبية والوسطى فيه على الأقل، ولعل ما يجب عدم استبعاده هو أن يبادر الإيرانيون إلى دفع دباباتهم عبر الحدود العراقية ليبدأ احتلال عسكري فعلي، قد يمتد عقودا وعندها فإن العراق سيتمزق وستكتوي المنطقة كلها وليس الدول المجاورة فقط بنيران حروب طاحنة طويلة. إن ما يجب أن يعرفه ويفهمه «القومجيون» الكذبة هو أن إيران التي تريد إيصال الأمور في العراق إلى هذا «السيناريو» المرعب هي التي تقف وراء هذه الحملة المناهضة لهذه المفاوضات التي بدأتها الحكومة العراقية مع الأميركيين لتنظيم احتلال قواتهم لهذا البلد، وإيران بالنسبة لهذا الأمر تريد أن تكون المفاوضات معها، فهي منذ أن دخلت القوات الأميركية إلى الأراضي العراقية، وهي تخوض معها حربا استنزافية سواء مباشرة أو بالواسطة، والهدف هو انتزاع موافقة من واشطن على دور لها، أي لإيران، في الإقليم وعلى مشروعها النووي العسكري.

وبهذا فإن كل هذه الحملة التي تتعرض لها حكومة نوري المالكي هي لمصلحة إيران، بل إن الجهات التي تقوم بها، سواء كانت مجموعات أو أحزابا أو حكومات أو أفرادا عاديين، هي إما ساذجة لا تدرك ولا تعرف أبعاد هذا الصراع المحتدم الآن في العراق أو أنها في الأساس تشكل مجرد «براغ» صغيرة في آلة «الولي الفقيه» الذي قال حسن نصرالله، متحديا اللبنانيين والعرب، إنه يفتخر بأنه مجرد فرد في حزبه!!

* كاتب وسياسي أردني

back to top