مع جورجيا أم ضدها؟!
في كل معركة ثمة معتدٍ ومعتدىً عليه، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمئات إن لم يكن آلاف الضحايا الأبرياء، وإذا كان لابد من تمحيص وتأن وتعقل وحكمة فيجب أن تكون للجميع وليس لمصلحة الوقوف على الحياد بانتظار رجحان الكفة.إذا كان ما فعله صدام حسين تجاه إيران والكويت جريمة وخطأ لا يغتفران، وهما كذلك، وما فعله جوزيف ستالين تجاه جورجيا جريمة وخطأ لا يغتفران أيضا، وهما كذلك، فإن ما فعله ساكاشفيلي تجاه أوسيتيا الجنوبية جريمة وخطأ لا يغتفران أيضا، وهما كذلك، ولا يجوز التهاون بشأنهما مطلقا!
أقول هذا الكلام لأنني أشعر بأن ثمة واجباً علينا جميعا ونحن نصدر أحكامنا تجاه هذه القضية أن نستذكر جيدا أن ميزان الحق والباطل وميزان القيم الإنسانية لا يموت لا مع قيام نظام عالمي هنا ولا مع سقوط نظام عالمي هناك، في حين أن ما يسمى بقواعد المجتمع الدولي ومعاييره التي يتحجج بها بعضهم اليوم إنما هي قواعد ومعايير غالبا ما تقوم على موازين قوى متحركة يتحكم فيها القوي والمنتصر في اللحظة التاريخية المعينة، وهي قابلة للحياة والموت بتغير تلك الموازين!وإنما أعرض هذا الكلام انطلاقا من إيران لأن ثمة نقاشا موسعا يجري الآن على صفحات بعض الجرائد والمواقع الإلكترونية الإيرانية «الإصلاحية القومية» يوَجَّه من خلاله النقد لحكومة أحمدي نجاد بسبب ما يقال إنها وقفت إلى جانب روسيا في هذا النزاع من دون الأخذ بعين الاعتبار «قواعد وأعراف المجتمع الدولي غير المكتوبة التي تفرض على الأطراف الثالثة الوقوف على الحياد»!لا أدري إن كان هذا النقاش مفتوحا بالطريقة نفسها في البلاد العربية أيضا أم لا، لكنه أمر مفيد، كما أظن، أن يفتح كذلك لاتخاذ العبر من التاريخ! وحتى أربط الأمر بقضية عربية ملتبسة أيضا وقعت في لبنان في الماضي القريب لعل الصورة تتضح أكثر، أقول فلنتذكر جميعا ما فعلته عصابة «خدام-كنعان» في لبنان ضد اللبنانيين والفلسطينيين معا، وكيف أن الموقف ضد ممارساتها كان ضربا من الجنون لم يجرؤ أحد وقتها على اتخاذه سوى قلة قليلة من الناس وفي مقدمهم جنرال الأحرار ميشال عون، بسبب أنهم مثلوا سورية الشقيقة يومها وبسبب موازين القوى المحيطة أيضا، لكن ما ذهب إليه أولئك النفر القليل يكفيه فقط اليوم المصير الذي لقيه كنعان والمصير الذي ينتظر خدام من جانب النظام السوري نفسه!ليس دفاعا عن حكومة أحمدي نجاد وبالتأكيد ليس دفاعا عن ممارسات حكام موسكو لا الحاليين ولا مَن سبقوهم، وليس مجرد عداء لحلف الأطلسي أو الإدارة الأميركية المجنونة والهوجاء ولا حتى انطلاقا من الموقف المبدئي المفترض ضد الكيان الصهيوني المتخندق مع حاكم جورجيا المتهور والأرعن، ولكن ومرة أخرى انطلاقا من الموقف المبدئي المطلوب من كل حر شريف يعمل في ميدان الإعلام والسياسة ينبغي أن تتم إدانة جورجيا على فعلتها ويجب أن ينتصر لأوسيتيا وأبخازيا المعتدى عليهما بغض النظر عن الموقف مع موسكو أو ضدها أو الرهان عليها.نعم تعرفون أيها الإيرانيون القوميون «الواقعيون» المنبهرون بالمجتمع الدولي وقواعده ومعاييره الظالمة، وإن وجد مثلكم من العرب، أن مطالبتكم بالوقوف على الحياد في المسألة الجورجية اليوم يسحب منكم الذرائع كلها التي طالبتم بها العالم للوقوف إلى جانب إيران ضد عدوان صدام على إيران أو ضد غزوه للكويت أو ضد ممارسات عصابة «خدام- كنعان» ضد اللبنانيين والفلسطينيين إضافة إلى مطالباتكم الدائمة بضرورة وقوف العالم إلى جانب حقكم النووي... إلى آخر القائمة!في كل معركة ثمة معتدٍ ومعتدىً عليه، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمئات إن لم يكن آلاف الضحايا الأبرياء، وإذا كان لابد من تمحيص وتأن وتعقل وحكمة فيجب أن تكون للجميع وليس لمصلحة الوقوف على الحياد بانتظار رجحان الكفة التي تؤمن المصالح الحزبية أو الفئوية أو المذهبية أو الطائفية أو القومية الضيقة، بل من أجل نصرة المظلوم ولو على حساب تلك المصالح كلها.نعم لا يجوز أن نكرر تجربة «هذا قبر حجر بن عدي رضوان الله عليه قتله سيدنا معاوية رضوان الله عليه...» التاريخية المرة، بل المطلوب هو قول ذاك الشاعر المصري العربي الأصيل أحمد فؤاد نجم، وهو يلخص الموقف في الفتن كما في المعارك الواضحة كمعركة جورجيا وذلك بالقول الشهير: «خلاصة الكلام يزيد أو الحسين»...!* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني