أضغاث أحلام العرب في عهد أوباما

نشر في 19-11-2008
آخر تحديث 19-11-2008 | 00:00
 د. شاكر النابلسي -1-

قبل موعد الانتخابات الأميركية، كان الحماس لانتخاب وفوز أوباماً في العالم العربي والإسلامي شديداً، وقد شهد على هذا الحماس الكثير من وسائل الإعلام الأميركية، فكتبت فريدة جيتس الكاتبة المتخصصة بالشؤون العالمية في صحيفة «ميامي هيرالد»، في مقالها «مفاجأة لأوباما في الشرق الأوسط» تقول، إن أعلى نسبة تأييد جاءت لأوباما كانت من السعودية، إذ وصل التأييد إلى نسبة 50%. وأعلن 33% من الفلسطينيين، و32% من الكويتيين أنهم يفضلون أوباما، وهذا يزيد ثلاثة أضعاف تأييدهم لجون ماكين.

ومن المفارقات العجيبة، أن أوباما يحقق نجاحاً أفضل بين اليهود في الولايات المتحدة بشكل أكبر، مما هو حاله بين المسلمين في منطقة الشرق الأوسط، ولكن فتُر الحماس العربي-الإسلامي بعد الانتخابات مباشرة، ففي اللحظات الأولى للإعلان عن فوز أوباما في الانتخابات الأميركية، هلّل الشارع العربي وكبّر لفوز أميركي من أصل إفريقي مسلم، في الانتخابات الرئاسية الأميركية، ولكن ما إن أعلن أوباما بعد يومين من فوزه، عن تعيين رام عمانويل- القيادي في الحزب الديمقراطي، وعضو مجلس النواب في الكونغرس الأميركي، الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية والأميركية معاً، وهو ابن زعيم منظمة «الآرغون» الصهيونية الأصولية المتطرفة- في منصب «رئيس طاقم البيت الأبيض»، حتى انتُزعت الصفحة البيضاء العربية من سجل أوباما، وبدا أوباما صهيونياً خالصاً في أنظار العرب، وانقطع الأمل في «إنصاف»، القضية الفلسطينية والقضايا العربية الأخرى العالقة والشائكة، فالمنظار الذي ينظر من خلاله العرب إلى رام عمانويل كعدو إسرائيلي، يختلف عن المنظار الذي ينظر من خلاله أوباما، باعتباره عمانويل شخصية أميركية له قدرات متفوقة في التنظيم والإدارة.

-2 -

ما المطلب العربي من أميركا الآن، في عهد أوباما الجديد؟

العرب يطلبون من أميركا العدالة... كل العدالة، والعدالة الأميركية في القاموس السياسي العربي تعني:

1- أن تقوم أميركا بدعم قيام الدولة الفلسطينية ومساندتها، رغم أن الفلسطينيين أنفسهم مختلفون فيما بينهم، وفريق كبير منهم (حركة حماس) غير متفق على قيام هذه الدولة، ولا يعترف بالدولة الإسرائيلية، ويرفض التفاوض معها، و«فتح» تريد الدولة الفلسطينية دولة علمانية، في حين أن «حماس» تريدها خلافة إسلامية، كما فعلت في غزة، وكما هي الحال في قطاع غزة الآن، أما إسرائيل فهي سعيدة جداً بهذا الخلاف، وهذا الصراع بين الفلسطينيين، الذي يُبعد عنها شبح إقامة الدولة الفلسطينية.

2- التخلّي عن التحالف الاستراتيجي مع إسرائيل، وقيام تحالف استراتيجي مع الدول العربية، ولا أدري ما هي الدولة العربية التي يمكن أن تتحالف معها أميركا استراتيجياً.

3- عدم التدخل في شؤون الدول الدكتاتورية الحزبية، أو الدكتاتورية العسكرية أو الدكتاتورية القبلية؛ أي كل الدول العربية.

4- عدم المطالبة بإخلاء سبيل المعتقلين المعارضين السياسيين المسجونين في سجون العالم العربي، خصوصا في مصر وسورية.

5- عدم المطالبة بتغيير المناهج الدراسية العربية، خصوصا المناهج الدينية التي تحضُّ على محاربة وقتل أهل الكتاب.

6- عدم العمل على خلع أي دكتاتور أو حاكم عربي، فهذا شأن عربي داخلي، يجب على أميركا أو أي دولة أجنبية أخرى عدم القيام به.

7- استمرار منح الدول العربية الفقيرة (مصر مثالاً) المساعدات المالية الأميركية السنوية، دون ربط هذه المساعدات بالإصلاح العام في هذه الدول، خصوصا الإصلاح السياسي، كما فعلت أميركا أخيراً مع مصر، بوحي من بعض النشطاء السياسيين كسعد الدين إبراهيم رئيس مركز ابن خلدون، الذي يعيش الآن خارج مصر، خوفاً من محاكمته وسجنه.

8- وأخيراً، على أميركا ألا تستمع إلى المعارضة السياسية العربية، وأن تكفَّ عن دعم هذه المعارضة بكل الوسائل الممكنة.

ولعل معظم هذه المطالب تبدو عاطفية وغير واقعية، ومن الصعب الالتزام بها من جانب أميركا، التي ترى أن الاستجابة لهذه المصالح يضر بمصالحها في الشرق الأوسط.

-3 -

يعتقد العرب والمسلمون- كما سبق أن اعتقدوا في انتخابات رئاسية أميركية سابقة- أن الأحلام السياسية التي يحلمون بها قبل كل انتخابات رئاسية أميركية، سوف تتحقق، ولم يكتشفوا بعد، أن أحلامهم السياسية هي مجرد أضغاث أحلام، أي أحلام وهمية، بل هي كوابيس سياسية، وهذا ما فعلوه بالذات، في انتخابات رئاسية أميركية ماضية عام 2004، عندما أُعيد انتخاب جورج بوش الابن، فقد صوّت العرب لمصلحة بوش، دفعاً له لتحقيق الأحلام العربية، ولكن ما إن أصبح الصباح، حتى وجد العرب في أميركا وخارجها، أن أملهم أبعد من أمل إبليس في الجنة، ولم يدركوا حتى هذه اللحظة، أن الرئيس الأميركي الجمهوري أو الديمقراطي، لا يعمل ولا يُقدْم على أي قرار إلا إذا كانت هناك مصلحة لأميركا فيه، وواقع العرب وحالهم في الماضي والحاضر، ليس من مصلحة أميركا في الشرق الأوسط، أن تقف بجانبه وتناصره، أو حتى أن تكون عادلة فيه.

-4 -

وقد كشفت عن هذا كله المحللة السياسية الأميركية آن أبلبوم، في مقالها «الأساطير الخمس في الانتخابات الأميركية»، وقالت عن الأسطورة الرابعة:

«إذا فاز أوباما في الانتخابات، فإن وضعنا في العالم سيتحسن على الفور، فقط لأنه رئيس «مختلف»، أنا متأكدة، بأنه سيكون هناك قدر كبير من الابتهاج لرحيل إدارة بوش المكروهة، غير أن الحقائق سوف تفرض نفسها بسرعة، عندما يكتشف الأجانب والناخبون الأميركيون أيضاً أن الرئيس الأميركي، ليس على هذه الدرجة من القوة التي يتخيلونها، وأنه لا يستطيع تغيير كل شيء فوراً، وأن هناك أشياء لن يتمكن من تغييرها على الإطلاق، خلال مدة ولايته، سواء كانت لفترة واحدة، أو اثنتين».

وتضيف آن أبلبوم قائلة: «أوباما لن يتمكن من إنهاء القتال في العراق وأفغانستان، كما لن يتمكن من جعل مؤشر البورصة يرتفع، ولن يتمكن بالطبع من إنهاء بوادر الكساد الاقتصادي على الفور. هذه هي خيبة الأمل القصيرة الأجل التي سيحس بها العالم».

وتتابع آن أبلبوم قائلة في مقالها، عن «الأسطورة الرابعة للانتخابات الأميركية»:

«أما في الأجل الطويل، فإن خيبة أمل العالم الخارجي- والناخبين الأميركيين أيضاً- سوف تتمثل في اكتشافهم أن أميركا ليست في وارد التخلي عن الرأسمالية العولمية، ولا البدء فوراً بإعادة توزيع ثروة الأمة على الآخرين، والكينيون على وجه الخصوص سوف يكونون هم الأكثر إحساساً بخيبة الأمل هذه».

بل إن العرب- كما هو واضح الآن- سيكونون هم الأكثر إحساساً بالخيبة وليس الكينيين فقط، يا سيدتي.

* كاتب أردني

back to top