الاستبداد، مرض عضال يطول كل عضو من أعضاء الجسد، إن لم تتم معالجته والتحكم بانتشاره... وأصل هذا المرض هو الجهل في أمور الدين والدنيا وعقلية الاستكانة الاستسلام والاتكال والطاعة العمياء لما يسمى بـ«رجال الدين».
الاستبداد السياسي والاجتماعي والديني هو أساس تخلفنا سواء على المستوى التعليمي أو المجتمعي أو الأخلاقي أو السياسي أو الاقتصادي أو الديني... ومظاهر هذا الاستبداد أكثر من أن تحصى، وهي متجذرة ومتأصلة في مجتمعنا، فالأب يستعبد الابن، والأستاذ يتسلط على الطالب، والزوج يتحكم بالزوجة و«رجال الدين» يرهبون «الرعية»، والحكومة ترضخ لهم وتضع يدها بيد الإرهابيين... وها هو السحر ينقلب على الساحر لتقدم القوى المتطرفة في البرلمان الكويتي استجوابها لرئيس مجلس الوزراء... لا بسبب فشل المشاريع التنموية، بل لدوافع شخصانية وطائفية وعقائدية تقتضيها أهواؤهم ومصالحهم الشخصية السياسية، التي ستدخلنا في أزمة سياسية واجتماعية وطائفية طاحنة لا تحمد عقباها.والاستبداد هنا لا يقتصر على حكم الفرد المطلق، ولكن ينسحب أيضا على النواب المنتخبين غير المسؤولين أيضا، حيث إن الاستبداد والمسؤولية نقيضان لا يجتمعان، فالسطة التنفيذية مسؤولة من السلطة التشريعة وهي بذاتها مسؤولة من السلطة الشعبية التي انتخبتها... وهكذا، لذا يجب أن نعترف أننا، وقبل أي شيء آخر، السبب في ما حل بنا من انحطاط وتقهقر على جميع المستويات.إن أخطر أنواع الاستبداد هو الاستبداد الديني السياسي «ولنا في التاريخ عبرة» الذي يوهم فيه المستبدون الناس بنصرة الدين وخدمته، وما هو إلا تضليل وخداع يستخدم فيه الدين ظلماً وبهتاناً، فالاستبداد هو أن يغتر المرء برأيه وتتحكم العاطفة بعقله، فيضر المستبد غيره، باسم الديمقراطية، وبدلاً من أن تجلب له الديمقراطية الحرية والشموخ والعزة، يشقى ويذل ويستصغر ويهان لتصبح حياته أسيرة وبائسة ومقيدة.فالاستبداد، مرض عضال يطول كل عضو من أعضاء الجسد، إن لم تتم معالجته والتحكم بانتشاره... وأصل هذا المرض هو الجهل في أمور الدين والدنيا وعقلية الاستكانة والاستسلام والاتكال والطاعة العمياء لما يسمى بـ«رجال الدين» دون التفحص والتمحيص وإعمال العقل بدلاً من العاطفة والانفعال والغوغائية، الأمر الذي أدى إلى تدهورنا الاجتماعي والسياسي والتنموي وأوصلنا إلى حالة الملل واليأس والقنوط من ديمقراطيتنا العرجاء المشوهة العقيمة بسبب الطغيان والتجبر والتحدث باسم الدين، زوراً وبهتاناً، بدلاً من تجذير مفاهيم الديمقراطية التي تعزز العيش المشترك، وتكافؤ الفرص والمساواة بغض النظر عن الدين والعرق والجنس.فالجهل يؤدي إلى الخوف والخوف يؤدي إلى الاستسلام والاستسلام يؤدي إلى الاستعباد والاستبداد، والاستبداد كالعفن لا ينمو ولا يترعرع إلا بوجود الفطريات كالجهل والظلامية والضياع... وها هي النار تجري في حلقة مغلقة... والسؤال: إلى متى هذا الخوف والظلام والخمول وقصة الألم التي لا تنتهي، فالاستبداد الديني بحق بلاء عظيم، ومحرقة لكل نضالات وإنجازات الحرية والحداثة؟في الحقيقة ومن الآخر لا إصلاح سياسيا من دون إصلاح ديني يفرض على «رجال الدين» النزول إلى الأرض عوضاً عن التحليق في السماء، لأنها ليست ملكاً لهم، والأسئلة تطرح نفسها مرة أخرى: إلى متى سيدوم بكاؤنا على الماضي والتاريخ والأحداث التي انقضت منذ قرون طويلة؟ ومتى نعي أن الحاضر أهم من الماضي وأن المستقبل أهم من الحاضر؟ وأن التاريخ له أسبابه وأن الحاضر والمستقبل لهما مقتضياتهما؟ أيها السادة والسيدات: أصل الداء فينا لا في الديمقراطية... وهو، أي الداء، كما يصفه عبدالرحمن الكواكبي «مشاركة مستبدينا الدينيين السياسيين الله في جبروته»، فهل تعاب الديمقراطية بسبب وصول هتلر عبر الانتخابات أم يعاب من أوصله من خلالها؟ يبدو أننا شعب مستبد، فحسب الكواكبي «المستبدون يتولاهم المستبد... والأحرار يتولاهم الأحرار».
مقالات
أصل الداء فينا لا في الديمقراطية
24-11-2008