الأكثر «إضحاكاً» بالنسبة الى كل ما قيل حول أسباب فوز باراك أوباما وهزيمة جون ماكين هو ان هناك من نظر الى الأمر من زاوية عينٍ حولاء، ورأى غير ما رأى المتابعون والمعنيون في العالم كله، وساقهم الغرور أو عمى الألوان الى الذهاب بعيداً والادعاء ان هذا التحول الهائل الذي شهدته الولايات المتحدة سببه صمود تحالف «فسطاط الممانعة والمقاومة»... ولأن هذا التحالف أفشل مخططات الرئيس الأميركي (الراحل) جورج بوش في العراق وفي لبنان وفي فلسطين!
في نحو نهايات الستينيات وبدايات سبعينيات القرن الماضي أعلنت إسرائيل وفاة ليفي أشكول الذي كان اختار الإقامة، ربما بسبب اشتداد المرض عليه، في مدينة بيسان الواقعة في الضفة الغربية من الجزء الشمالي من غور الأردن الذي هو الأكثر انخفاضاً من سطح البحر في كل الكرة الأرضية، وكانت المفاجأة أنْ بادرت إحدى الفصائل الفلسطينية الى إعلان مسؤوليتها عن هذه الوفاة، وقالت في بيان صاخب إن أحد صواريخها «أصاب إصابة دقيقة» الملجأ الذي كان يختبئ فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق وانه قتله على الفور. وهكذا ولأن «فسطاط الممانعة»، كما روَّج لهذا الأمر أتباعه وبعض الذين يعتبرون أنفسهم ناطقين باسمه، يصر على أنه هو الذي وقف وراء هذا «الانقلاب» الذي أسقط الحزب الجمهوري، حزب الرئيس المغادر جورج بوش، وأسقط مرشحه جون ماكين، وأنه هو الذي وفَّر كل هذا الفوز للحزب الديمقراطي فإنه يتوقع من باراك أوباما ان «يرُدَّ الجميل» وأن يحتضنه، أي يحتضن هذا الحلف، وأن يطلق يده في هذه المنطقة كلها. لقد قيلت هذه الادعاءات علناً وعلى رؤوس الأشهاد ومن خلال شاشة إحدى أهم الفضائيات «العربية»... وهذا كان قد جرى مثله مراراً عندما كانت إذاعات الشعارات والانتصارات الوهمية تبشر الجماهير العربية «الغفورة» بأن قضاء الصيف المقبل سيكون على شواطئ نهاريا في فلسطين وأنه «تجوع يا سمك وإلى الجحيم يا إسرائيل»، ثم بعد ساعات فقط تكتشف هذه الجماهير المسكينة حجم الهزيمة النكراء التي أُلحقت بالأمة العربية. إنه شيء محزن بالفعل وإذا كان «فسطاط الممانعة»، الذي كان اختراعاً انتهت صلاحيته قبل ان يجف الحبر الذي كتبت به بيانات الإعلان عنه، والذي يضم دولتين هما فعلاً من أهم دول هذه المنطقة، يفكر بهذه الطريقة ويعتبر نفسه أنه هو الذي هزم بوش وحزبه وجاء بـ«باراك أوباما» وحزبه فإن المؤكد أنه سيفشل فشلاً ذريعاً في التعامل مع الإدارة الجديدة، كما فشل في التعامل مع الإدارة السابقة ومع الإدارة التي سبقتها. حتى يكون التعامل مع الإدارة الجديدة، إدارة أوباما، مجدياً وفي الاتجاه الصحيح فإنه يجب الابتعاد عن هذه الادعاءات البعيدة ليس عن التواضع فقط، وإنما عن النظرة الصحيحة للأمور وأنه يجب تشخيص التطورات التي بحجم ما جرى في أميركا تشخيصاً واقعياً صحيحاً وبعيداً عن الأوهام... ويجب إدراك أنه لا فضل في المجييء بالرئيس الجديد إلا للديمقراطية الأميركية العظيمة ولصناديق الاقتراع وللشعب الأميركي وما عدا هذا فإنه أوهام وادعاءات كاذبة.* كاتب وسياسي أردني
أخر كلام
قليل من التواضع!
10-11-2008