يقولون: «إن أفضل الأخبار عندما تكون في إجازة هو ألا تسمع أخبارا»، ولكن لسوء الحظ، لم يكن بالإمكان التوقف عن سماع الأخبار أثناء إجازتي الأخيرة، والقصيرة سوى في حالة النوم.
فشركات الطيران تشكو، وسائق التاكسي، والفندق، والبائع في المحل، وكل من تصادفه في يوم سائح عادي يشكون، ولن يعفيك التلفزيون عندما تهرب إلى غرفتك، ولأن الطبع يغلب التطبع، بدأت مساحة المتابعة قليلاً قليلاً لما يحدث تزيد على حساب مساحة الهروب مما يحدث، حتى داهمت أزمة المال التي تجتاح العالم كل فضاء البال الذي كان مخصصا للا شيء.واستذكرت حينها مقولة ملخصها «إنه في وقت الأزمات الكبرى لا تزدهر سوى صناعة الترفيه»، وحين كنت في إحدى العواصم الغربية، كان الهروب ساعة أو ساعتين إلى مسرح أو سينما يجسد صحة تلك المقولة من خلال ازدحامهما.مقولة أخرى تتردد في زمن هذه الأزمات ملخصها يقول: «عليك بيع أسهمك عندما ينصحك سائق التاكسي والحلاق وموظف الاستقبال بالفندق وجدة جارتكم بالشراء، وعليك الشراء إذا أجمعت الصحف ورؤساء الشركات ومدرس ابنك وطبيب أسنانك بضرورة البيع، وسحب أموالك ووضعها تحت الوسادة مع بقاء عينيك -أو إحداهما على الأقل- مفتوحتين».ومع عودتي إلى الكويت، وإيمانا بالشطر الثاني من المقولة الثانية، وإحساسا بالمسؤولية الوطنية تجاه اقتصاد بلدي، وتعاطفا مع من يعرضون ولا يجدون مشترياً لأسهمهم، قررت أن أراهن بكل مدخراتي لدعم السوق ورفع أسعاره، وجاء القرار بالشراء مع النفاذ حالا، وكان لا بد من جمع معلومات عن السوق الذي لا أعرفه ولم أتعامل معه في حياتي، إلا أنني قررت التنازل فورا عن هدف طموح وكبير بدعم السوق ورفع أسعاره بتدخلي بالشراء، حين صدمتني المعلومة بأن قيمة السوق البالغة أكثر من 40 مليار دينار، فمدخراتي لن تكون كافية لرفع أسعاره.وكانت الخطوة الثانية هي توجيه مدخراتي إلى أسهم الشركات الكبرى التشغيلية، وبمراجعة حجم مدخراتي في البيت، وكل البنوك العالمية والمحلية- باستثناء بنك الخليج- حتى لا يتسبب سحب مدخراتي منه في تدهور أوضاعه، كانت الصدمة الثانية، فكل مدخراتي لا تكفي لشراء وحدة أسهم واحدة من تلك الشركات الكبرى.وبعد التنازل للمرة الثانية، قررت إجراء عمليات حسابية معقدة لتوجيه مدخراتي إلى الشركات التشغيلية المتوسطة، ولأن سوق الآجل متوقف، كان المتوافر نقدا من مدخراتي أقل قليلا من قيمة وحدة واحدة في شركة متوسطة تتفق ومعايير الجودة التي تستحق مدخراتي، فتنازلت للمرة الثالثة.وانحصرت محاولتي الأخيرة في البحث والتحليل عن شركات صغيرة ورخيصة، وأصبح طموحي هو شراء أكثر من وحدة أسهم، وبعد استبعاد الكثير لأنها شركات ورق، استقر رأيي على إحداها، ولأنها كل مدخراتي، فقد قررت التشاور مع الأهل والأصدقاء قبل مهاتفة الدلال، وبعد شرح مقومات قراري، والإعلان عن اسم الشركة التي قررت شراء أكثر من وحدة من أسهمها، انفجر الجميع في وجهي أكثر مما انفجر متعاملو البورصة أمام شاشات التلفزيون وعدسات الصحف، واتضح لي أن ما يعرفونه عن الشركة أكثر بكثير مما تعرضه أرقامها وتصريحات مسؤوليها، وتذكرت حينها أن أزمة الشركة الصغيرة أو ضبابية الأرقام ووردية التصريحات، هي سبب أزمة المال وعذاب البال، فاعتذرت للمستشارين حولي، وانسحبت عن مشروع دعم أسعار الأسهم بالبورصة.وعلى الحكومة أن تتعظ من تجربتي، ولا تبدد أموالنا لدعم غير مجدٍ لأسعار الأسهم، فالشعب الصغير الذي احتج على قراري الخطير، هو عيّنة ممثلة لشعبنا الكبير.
مقالات
أزمة مال وأذى بال
03-11-2008