شنو الحل!
المطالبة بمجلس ملائكي يضم خمسين نائباً من صنف واحد أمر لا يمكن تخيله حتى في عالم الخيال، فما بالك بالمطالبة بأن يكون أعضاء البرلمان جميعهم على درجة واحدة من الهدوء والحكمة والذكاء والحرص على المصلحة العامة؟!وأنه من سابع المستحيلات أن نشهد برلماناً يعكس حالة من التنوع الفئوي والطبقي والمذهبي والمناطقي والقبلي وبتقاطعاته الفكرية والسياسية والاجتماعية وفي خضم الارتباك والتخبط الإداري وتدني مستوى الخدمات العامة وتفاوت درجات المصالح والنفوذ في البلاد، وفي الوقت نفسه نتصور أعضاءه كلهم بلون ومنهج وأداء واحد.
والشطحات السياسية والأزمات والتقلبات بل حتى المؤامرات والأجندات الخاصة كلها ظواهر طبيعية في أنظمة الحكم والمجتمعات البشرية المختلفة ديمقراطية كانت أم شمولية، ومدنية كانت أم عسكرية، وحزبية كانت أم شعبية، ولكن ما يميز النماذج الديمقراطية فيها قدرتها على النضوج والتطور واكتساب الخبرات بسبب هذه المشاكل والاهتزازات.والأحداث السياسية الصاخبة التي تعصف بالساحة المحلية ومنذ سنوات عدة وببساطة تدور في حلقة مفرغة وتحمل رتابة أصبحت سمجة، ظاهرها تقديم استجواب لوزير أو رئيس مجلس الوزراء ومن ثم حل مجلس الأمة وباطنها سلسلة من الصراعات بين التيارات والكتل والمجاميع النيابية تدير خيوطها أطراف من داخل الأسرة، وبالتالي فإن مصطلحات التأزيم والأجندات الخاصة والخطط الليلية باتت أسطوانة مشروخة ومكشوفة و«باش تختها» وهو مع الأسف مجلس الأمة! ولهذا وعلى الرغم من تنوع الخيارات المتاحة للخروج من الأزمة الأخيرة المتمثلة في استجواب سمو رئيس مجلس الوزراء، فإن أكثرها رجاحة هو حل مجلس الأمة والدعوة إلى انتخابات مبكرة، ومثل هذا الخيار- الذي سيكون بمنزلة عقاب جماعي ليس للأغلبية النيابية المطلقة فحسب، بل لعموم الناخبين الكويتيين- لن يحل المشكلة بل يؤجله لشهور عدة فقط، فقد يتكرر سيناريو استجواب رئيس الحكومة مع مطلع المجلس القادم، كما أن الحملة الانتخابية القادمة سوف تنطلق تحت شعارات دينية حادة ومتطرفة ويبرز فيها رموز وأبطال الطائفية في البرلمان من جديد.أما الحل غير الدستوري الذي ينفخ فيه البعض ويحرض عليه فهو أساس المؤامرة الحقيقية لعودة خفافيش الفساد ممن يسيل لعابهم للفوائض المالية، وهو خيار في نهاية الأمر ذو كلفة سياسية وعالمية باهظة الثمن وحبله قصير وسيهزم لا محالة مع تزايد المطالب الشعبية بمكتسبات سياسية ودستورية أوسع.وفي مقابل ذلك هناك خطوات وأدوات دستورية لم تجرَّب من قبل وقد تكون مفيدة في إثراء التجربة الديمقراطية بدلاً من محاولة وأدها أو تشويهها، ومنها تفعيل المادة (106) من الدستور وتأجيل نشاط المجلس على أن يوازي ذلك مؤتمر للحوار الوطني الذي طال انتظاره ليرسم معالم جديدة لمستقبل الكويت وتحت مظلة السلطات الدستورية الكاملة.أما الحل الآخر فهو مواجهة الاستجواب والتعامل معه وفق القنوات الدستورية؛ أولاً، لكسر هذا الحاجز النفسي الذي بات يشكل «بعبعاً» سياسياً ومن المفترض أن يأخذ حجمه الطبيعي. وثانياً، لسحب البساط من تحت محاولات الابتزاز السياسي. وثالثاً، والأهم من ذلك كله لكشف المستور تحت قبة البرلمان!