الأوراق المالية في الأمد البعيد
بعد انحسار مؤشر «ستاندرد آند بورز» المركب للأوراق المالية العادية للمرة الثانية خلال عقدٍ واحد بنسبة 40%، أصبح المستثمرون العالميون في حالة من الصدمة والارتباك. فقد بلغ العائد الحقيقي على الأرصدة التي استثمرت في هذا المؤشر المـركب، منذ عام 1998 إلى 2008، حوالي الصفر تقريباً: إذ كانت الأرباح المكتسبة من محافظ الاستثمار كافية بالكاد لمعادلة التضخم. ومنذ عام 1982 لم يحدث أن مر عقد من الزمان وكانت حال المستثمرين عند نهايته أفضل لو وضعوا أموالهم في سندات الشركات أو سندات خزانة الولايات المتحدة بدلاً من وضعها في محافظ استثمار تشتمل على أوراق مالية متنوعة.وعلى هذا فإن المستثمرين يتساءلون: تُـرى هل تكون العقود المقبلة كمثل العقد الماضي؟ ألا ينبغي عليهم إذا كان الأمر كذلك أن يتجنبوا الاستثمار في الأوراق المالية؟
تكاد تكون الإجابة «كلا» بكل تأكيد. ففي غضون عقد أو عقدين من الزمان، لم يكن الأداء السابق للأوراق المالية والسندات يشكل ضمانة جديرة بالثقة ولم يعمل قط كمرشد جيد للنتائج المستقبلية. والفترات مثل الفترة بين عامي 1998 و2008، حيث كان أداء الأوراق المالية أسوأ نسبياً، تسبقها دوماً فترات حيث يكون أداؤها طيباً نسبياً- مثل الفترة بين عامي 1978 و1988 والفترة من 1988 إلى 1998، وهي في أغلب الظن تعقبها فترات مشابهة.ولنحسبها معاً بالأرقام. في هذه اللحظة بلغ العائد الإجمالي على سندات خزانة الولايات المتحدة ذات العشرة أعوام 3.76%. وإذا ما خصمنا من هذا الرقم نسبة التضخم 2.5%، فإن العائد الحقيقي المتوقع سوف يكون 1.26%.وفي الوقت نفسه يحوم مستوى العائد على الأوراق المالية التي يتألف منها مؤشر «ستاندرد آند بورز» المركب حول 6%: وهذا هو القدر من المال الذي تجمعه الشركات التي تؤيد التعامل في الأوراق المالية من أجل حملة أسهمها. وبعض هذا المال سوف يُـدفع في هيئة أرباح، وبعضه سوف يستخدم لشراء الأوراق المالية من جديد- وبهذا تتركز قيمة الأسهم العادية وترتفع قيمة الأسهم التي لا تشترى من جديد. وسوف يعاد استثمار بعضها واستخدامه لتعزيز رأس مال الشركة.قد يزعم بعض الناس أن المسؤولين التنفيذيين لدى الشركات يمتلكون من الخبرة والمعرفة ما يسمح لهم بتوجيه الأرصدة المالية التي يتحكمون فيها نحو المشاريع ذات العائد الأعلى مقارنة بما هو متاح في سوق الأوراق المالية. أو قد يزعم بعض الناس أنهم من بناة الإمبراطوريات الفاسدين الذين يبددون الحصة الخاصة بحملة الأسهم من الأموال التي يتحكمون فيها.والتخمين المعقول هنا هو أن هذين العاملين يلغي كل منهما الآخر. وعلى هذا فإن العائد الحقيقي الرئيسي المتوقع على محافظ الاستثمار في الأوراق المالية المتنوعة في الولايات المتحدة يتراوح الآن ما بين 6% إلى 7%. أما عائد السوق المتوقع فهو يعادل هذه القيمة علاوة على، أو بعد خصم، التغيرات المتوقعة في نِـسَب التقييم: على سبيل المثال، هل يكون عائد الأوراق المالية أكثر مع ارتفاع معدل السعر إلى المكسب، أو يكون عائدها أقل مع هبوط معدل السعر إلى المكسب؟ مرة أخرى، نستطيع أن نقول إن التخمين المعقول هنا هو أن هذين العاملين يلغي كل منهما الآخر. ونستطيع أن نقارن العائد الحقيقي الذي يتراوح ما بين 6% إلى 7% على الأوراق المالية بالعائد الحقيقي على السندات والذي يبلغ 1.25%.ولكن أليس في الاستثمار في الأوراق المالية مجازفة؟ أليس من الممكن أن تنهار المكاسب؟ أليس من الممكن أن تتعرض السوق لانحدار آخر يبلغ 40% في المستقبل القريب؟ أليست السندات أكثر أماناً؟ لا شك أن الإجابة على هذه التساؤلات هي «أجل»، «أجل»، «أجل»، و»أجل». لا ينبغي لنا أن ننسى أننا شهدنا انحداراً آخر بلغ 40% أثناء الفترة بين عامي 2000 و2003، ونحن الآن نشهد انحداراً آخر مماثلاً. ولا ننسى أيضاً الانحدار الطويل الذي استمر من 1977 إلى 1982 والذي أعقب الهبوط الذي بلغ 40% أثناء الفترة بين عامي 1973 و1975. وقبل ذلك شهدنا تراجعات أثناء فترات أخرى، بين عامي 1946 و1949، وبين عامي 1937 و1942، والانحدار الأضخم على الإطلاق أثناء الفترة بين عامي 1929 و1933.بيد أن تراجع أسواق المال الذي لا يأتي مصحوباً بانهيار حاد ومتواصل للمكاسب يكون بطبيعته مؤقتاً: فهو عادة ينتج عن ارتفاع حاد في عامل المجازفة المتوقع، وإذا ما تبين بعد ذلك أن تقدير المجازفة كان مبالغاً فيه فإن الأوراق المالية تستعيد قوتها وبالتالي تهبط توقعات المجازفة.ولكن ماذا عن هبوط سوق الأوراق المالية الذي يأتي مصحوباً بانهيار حاد ومتواصل للمكاسب- بسبب حالات الكساد الاقتصادي؟أثناء فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية، حين كانت الحكومات تتبنى العمل بمعيار الذهب، كانت فترات الكساد الاقتصادي تشكل أوقات انكماش. ولكن أثناء فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حين كانت الحكومات الديمقراطية الاجتماعية حريصة على الاستمرار في الإنفاق على مشاريع الرفاهية الاجتماعية وحين كان المستشارون الاقتصاديون من أنصار كينز حريصين على استخدام السياسة المالية لدعم الناتج، فإن انحدار المكاسب كان من المرجح أن يأتي مصحوباً بالتضخم.الحقيقة أن الانهيار الحاد والمتواصل للمكاسب من شأنه أن يؤدي إلى تآكل الثروة المستثمرة في الأوراق المالية. بيد أن التضخم الذي يصاحب هذا الانحدار من شأنه أن يؤدي إلى تآكل أشد حدة وأضخم حجماً للثروة المستثمرة في السندات الاسمية. وكما كتب إدغار ل. سميث في عام 1924، حين كانت المجازفات الرئيسية متصلة في مجملها بمؤشرات أداء الاقتصاد الكلي، فإن السندات ليست أكثر أماناً من الأوراق المالية التابعة للمحافظ الاستثمارية المتنوعة- بل إنها في الحقيقة أكثر مجازفة.كل ما سبق من الحجج لا ينطبق إلا على مستثمري الأمد البعيد القادرين على الانتظار إلى أن يحدث انحدار آخر بنسبة 40% في قيمة استثماراتهم ومع ذلك يستمرون في استثمار أموالهم إلى أن تهبط توقعات المجازفة. (إذا لم يهبط عامل المجازفة المتوقعة فإن هذا يعني أنك سوف تنشغل بأمور أشد سوءاً من انزعاجك إزاء أداء المحافظ الاستثمارية). وبالنسبة للمتقاعدين وغيرهم من الناس الذين يحتاجون إلى النفقات اليومية، فإن التغيرات الطارئة من عام إلى عام على أسواق الأوراق المالية تتطلب الحذر.أما بالنسبة لهؤلاء الذين لا يحتاجون إلى الإنفاق اليومي، فإن الانحدار الأخير في قيمة الأسهم يشكل فرصة وليس كارثة. فمنذ عام واحد كنا راضين عن الأوراق المالية التي تشتمل عليها حافظات استثماراتنا بسبب توقعات عائدها الطيب على الأمد البعيد. إذ إن أزمات اليوم قصيرة الأمد لا تؤثر مادياً على توقعات هذه الأوراق المالية في الأمد البعيد. بل لقد أصبحت الفرصة متاحة أمامنا الآن لشراء المزيد وبأسعار أزهد.* جايمس برادفورد ديلونغ | James Bradford DeLong، مساعد وزير الخزانة الأسبق في الولايات المتحدة، وأستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، وباحث مشارك لدى المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية.«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»