الممثّل وتكرار الشخصيّة... أزمة أداء أم استسهال مخرج؟
ما الذي يدفع الممثل الى تقديم الشخصية ذاتها في عملين منفصلين، مثلما حدث أخيراً عندما أسند المخرج باسل الخطيب دور شخصية الزعيم جمال عبد الناصر إلى الفنان مجدي كامل، على الرغم من أنه سبق وقدمها قبل عامين في مسلسل «العندليب»؟ هل تشابه الملامح بين كامل وعبد الناصر هو الذي حسم هذا الترشيح؟ أم أن نجاحه في تجسيد الدور وتقمّصه بصورة مذهلة كان وراء اختياره مرة أخرى؟
ليس كامل الفنان الوحيد الذي قدم الشخصية نفسها أكثر من مرة، سبق أن قدم الفنان عبد العزيز مخيون شخصية الموسيقار محمد عبد الوهاب في أعمال فنية عدة، كذلك الفنان صبري فواز في شخصية الموسيقار بليغ حمدي.هل تتعلق إعادة ترشيح النجوم بأدوار الشخصيات العامة فحسب والتي تؤدي فيها الملامح دورا رئيسًا؟ أم أن نجاح الفنان في تجسيد الدور هو السبب، خصوصاً أن الظاهرة نفسها ارتبطت بنجوم استسلموا قهرًا أو سهوًا للحصار في شخصيات محددة؟تكرارتؤكد الناقدة ماجدة خير الله أن الرغبة في الحضور الدائم على الشاشة هو الذي يدفع بعض النجوم إلى تكرار الأدوار، «مثلاً نجد أنه خلال فترة معينة يكثر ظهور ممثل ما في أدوار متشابهة، ثم بعد فترة أخرى يظهر ممثل آخر وهكذا، ما يشير إلى فكرة الاستسهال، سواء من قبل جهات الإنتاج وصانعي تلك الأعمال أو النجوم الذين لا يمتلكون أحيانا القدرة على التلوّن بأكثر من شخصية، ولا يتمردون على التكرار وهنا تكمن المشكلة، لا يرفض الممثل الدور المكرر ولا يتوافر للمخرج الإبداع في وضع الممثل في دور مختلف، فأصبحت الأدوار والشخصيات كلها متوقعة، بالإضافة إلى قلة حيلة جهات الإنتاج وندرة الممثلين الأكفياء».قدراتمن ناحيته، يعتبر المخرج مجدي أحمد علي أن تكرار الممثل أداء الشخصية نفسها لا يؤثر في الممثل خصوصاً إذا أدى دور شخصية شهيرة، فالجمهور يتفهم حينها أسباب التكرار. كذلك يلفت إلى أنه عندما يكرر الممثل أداء الشخصية نفسها في أكثر من عمل فذلك فرصة لإظهار قدراته بشكل أكبر، ذلك أنه يصعب إيجاد ممثل يشبه الشخصية بكل تفاصيلها ويقترب منها ويؤديها بإتقان.في السياق ذاته، يقول الممثل مجدي كامل: {أحاول في اختيار أعمالي أن أبتعد عن الأدوار التي أديتها سابقًا كي لا أكرر نفسي، لكن أحياناً يجعلني السيناريو أكرر الشخصية نفسها وهنا أحاول أن أنوع فيها، فالشخصية مهما كانت مكررة لا بد من أن يكون فيها نقطة اختلاف وهو ما أحاول أن أظهره».يضيف كامل: «أما أدائي لشخصية عبد الناصر فلم يكن استسلاما للتكرار مثلما يردد البعض، بل هو امتداد للدور الذي قدمته في مسلسل «العندليب»، فليس معنى أنني قدمت الشخصية نفسها أنني أكرر نفسي، بالعكس شخصية الزعيم عبد الناصر ثرية جداً، وأنا سعيد جداً باختياري للمرة الثانية لتقديمها». يشير كامل إلى أن أداءه للشخصية في مسلسل «العندليب»، على الرغم من أنها لفتت الأنظار، إلا أنها لم تكن محورية، بل كانت ضمن أحداث المسلسل، عكس مسلسل «ناصر» فهي الشخصية الأساسية بكل تفاصيلها وأحداثها السياسية والاجتماعية، وبالتالي فليس هناك تكرار.كذلك يؤكد أن الشخصية مهما كانت مكررة يتوقف الفصل فيها على إمكانات الممثل في إحداث تنوّع في الشخصية، «هنالك ممثلون عظماء في تاريخ السينما المصرية استطاعوا، على الرغم من أدائهم نمط الشخصية نفسها، أن يحدثوا تغييراً في كل شخصية ولم نلحظ هذا التكرار».طبيعة العمليرى الكاتب يسري الجندي أن «المسألة تتوقف على طبيعة العمل وقدرة الممثل على البحث عن الجديد في الشخصية التي يقدمها للمرة الثانية، أي تنويع الأداء والتغيير في أدواته ليضيف إلى العمل، أما إذا قدم الشخصية نفسها في أكثر من عمل درامي من دون إحداث أي تغير يذكر، سيشعر المشاهد بالملل».يؤكد الجندي أنه لا يوجد شخصيتان متشابهتان، كل شخصية لها سماتها حتى وإن كان الدور واحداً، لتفادي عدم التكرار والاختلاف لا بد من أن تكون الشخصية مرسومة جيداً على الورق.يشير الجندي إلى وجود مشكلة في الأعمال الدرامية وهي احتكار بعض الممثلين لمعظم الأدوار، وتعامل بعض المخرجين مع مجموعات معينة من الممثلين في الكثير من أعمالهم، ما يؤدي إلى التكرار، «لا بد من التنوع وألا يقتصر المخرج على ممثلين بعينهم، فلكل عمل احتياجاته الخاصة».«يسود الدراما المصرية نوع من النمطية السيئة» تؤكد الناقدة الفنية حنان شومان وتضيف: «يرجع تكرار الممثل لنمط شخصية معينة إلى الخيال المحدود للمنتج والمخرج، فعندما ينجح ممثل في أداء شخصية معينة يستعينون به لأداء الشخصية نفسها في عمل آخر. يتجه معظم المخرجين نحو الأسهل والأضمن».كذلك تشير إلى أن الممثل ليس له تأثير كبير بهذا الأمر بقدر المخرج والمنتج، لأنه أحياناً لا يستطيع أن يرفض الدور المعروض عليه حتى وإن كان فيه تكرار بسبب عدم وجود عروض أخرى ومن منطلق أن «عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة»، وتؤكد أن هذا الأمر يؤثر في الممثل لأنه يتمنى أن يقدم أكثر من شخصية.تعتبر شومان أنه مهما أدى الممثل نمط الشخصية نفسها في أكثر من عمل، لا بد من أن يكون هناك تنوّع في السيناريو والإخراج، «مثلاً تميز الفنان الراحل زكي رستم بأدائه لأدوار الشر، مع ذلك لم نلحظ وجود تشابه في أدواره ولم يشعر المشاهد بالملل».