آخر وطن: فرحٌ... موحِش!
ليس الفرح ثمرة النجاح!
بل جملة القيم والمبادئ التي ساهمت في صنعه! طريق النجاح فرصة عظيمة لاختبار قيم إنسانية أعظم وأجمل وأبقى. النجاح، أي نجاح وفي أي مجال، يخبئ وراءه قصة تستحق البحث في تفاصيلها، وتتبع خطوات مسيرها، والوقوف عند كل أثر تركته خلفها، لعله ينبئنا بكلمة تستحق أن تُكتب بماء الذهب. والنجاح نوعان، نجاح تحقق بفضل صناعة فردية بحتة، ورغم أهمية العِبَر والدروس التي يمكن أن يهدينا إياها هذا النوع من النجاح، ويلفها كقطع الحلوى ويدسّها في جيوبنا، فإنه –في نظري- أقل النجاحات «قيمة»، لأن مجمل القيم التي يمجدها تكون في الأغلب محدودة، مثل الإيمان، الإيمان بما لديك، الإيمان بقدرتك، الإيمان بحلمك... إلخ، والصبر، الصبر في اللحظات التي شارَفْتَ يأسا على السماح لأهدابك بأن تطلق سراح حلمك الذي وطّنته زمنا بين جفنيك! وأحسست في تلك اللحظة وكأنما أنت القابض على جمرة ولكن في عينيه، وكل ما حولك يصرخ بك أن تفتح عينيك على اتساعهما ليخرج شيطان حلمك... فتستريح، والبعض «يتطوع» لشد جفنيك من رموشهما محاولا فتحهما قسرا، لتطير الشياطين، وأنت تحاول بكل ما استطعت من صبر ألّا يُفتحا، فيطير حلمك من بينهما ويبقى العدم! أما النوع الآخر من النجاح فهو ذلك الذي يتحقق بفضل جهد مشترك، وهذا هو النجاح الذي أحب، لما يحمل في كل خطوة من خطواته التي قطعها حتى تتحقق قيم كبرى عديدة، فبالإضافة إلى القيم التي تتحقق في النجاح الفردي كالإيمان والصبر والعزيمة، هناك قيم أخرى تُضاف إلى اللائحة، بل إن القيم المشتركة تجدها في هذا النوع الآخر من النجاح أعمق، وأكثر بعدا وتأثيرا، فالإيمان مثلا، أعمق هنا من الإيمان في النجاح الذي تحقق بصناعة فردية خالصة، حيث إن الإيمان في النجاح الفردي هو إيمان مُحقق النجاح بذاته هو، بحلمه هو، بقدراته، ولكن في النجاح الذي تصنعه أيدٍ مشتركة، هناك آخر يؤمن بك أيضا، يؤمن بحلمك، هذا الإيمان لا تشوبه أنانية، ولا ذاتية، بل إنه إيمان مصحوب بالتضحية لأجل شخص آخر، قيم جديدة هنا تظهر كالتضحية مثلا في أجمل صورها، وهنا أيضا فرصة لقيمة الوفاء كي تظهر، عندما تُسلَّط الأضواء على هذا الناجح، وتُسطَّر الكلمات لمدح صنيعه، والتغني بنجاحه، حيث الاختبار الحقيقي لقيمه الوفاء، والاعتراف بالجميل وعدم الجحود، حيث بإمكان الناجح أن يسدل الستار على هذا الفصل، ويستمتع بسحر بريق الأضواء، وتصحو الأنانية المريضة لتحوّل هذا النجاح إلى درجات أقل مما يستحق، عن طريق محاولة خطفه والاستئثار به، وتحويله إلى نجاح فردي، أو يتم إعلاء قيمة الوفاء، والرضا عن الذات والتصالح معها، عن طريق إعادة الضوء إلى الأيدي التي ساهمت في صنع هذا النجاح، بعد أن كادت تسقط من ذاكرة الضوء سهوا! في رأيي أن أكثر اللحظات التي يحتاج الإنسان فيها إلى من يشاركه، ليست لحظات الحزن، إنما لحظات الفرح! هي هذه اللحظات التي تريد أن يحسها شخص آخر كما هي فعلا في داخلك، وتأكد لن يحسها كما تريد أحد لم يشاركك صناعتها. لا تفرح وحيداً... إن ذلك موحِش!