ما تحقق في الولايات المتحدة ليس فوز حزب على حزب ولا تغلب رجل أسود على رجل أبيض إنه تحول تاريخي وانطلاقة جديدة لدولة بدأت، قبل هذه الانتخابات الأخيرة، تدخل مرحلة تصلُّب الشرايين وبدأت تتآكل من الداخل وتتعرض لكره ما بعده كره في الخارج، والدليل على هذا هو الزلزال المالي والاقتصادي الأخير والتخبط المستمر في العراق وفي أفغانستان وحتى في أوروبا التي لولا الأميركيون لكانت الآن تتحدث اللغة الألمانية، كما قال دونالد رامسفيلد عشية حرب إسقاط نظام صدام حسين.

Ad

لماذا فاز باراك أوباما هذا الفوز الكاسح ولماذا هُزم جون ماكين هذه الهزيمة النكراء التي ستبقى تلاحق الحزب الجمهوري سنوات طويلة...؟!

هناك عوامل كثيرة، داخلية بالدرجة الأولى وخارجية بالدرجة الثانية، هي التي جعلت أوباما يفوز كل هذا الفوز وجعلت ماكين يُهزم كل هذه الهزيمة، ولعل أهم هذه العوامل ان المرشح الجمهوري بقي يتغنى، على مدى شهور معركة الانتخابات، بالماضي وبالأمجاد القديمة وبقي يخاطب كبار السن والمتقاعدين، بينما استهدف المرشح الديمقراطي قطاعي الشباب والطبقة الوسطى، وركز على المستقبل المنشود لدولة باتت تدخل مرحلة الشيخوخة والترهل قبل الأوان.

لقد سئم الأميركيون واقعهم السياسي الذي أصبح مملاً ونمطياً وبائساً وباتوا ينتظرون مُخلِّصاً بغض النظر عن لونه ومنبته وأصله، فجاء هذا الشاب الأسود الذكي والطموح ليقطف اللحظة التاريخية المناسبة، فتحقق هذا الفوز الكاسح الذي هو فوز لمستقبل أميركا الواعد على حاضرها البائس، والذي ازداد بؤساً خلال الأعوام العجاف الثمانية الأخيرة التي عندما اقتربت من نهايتها جاء هذا «التسونامي» المالي والاقتصادي ليضفي على عهد جورج بوش (الابن) رداءً حالك السواد.

الآن بعد هذا الفوز التاريخي الذي حققه باراك أوباما يمكن القول إن العالم سيتعامل مع ولايات متحدة جديدة، وان سياسات أميركا الخارجية ستطرأ عليها تغييرات كثيرة رغم أنها ستبقى تسير في المسارات السابقة نفسها من حيث التوجهات الإستراتيجية العامة، وهذا يقتضي ان يعيد العرب النظر في طرق تعاملهم مع هذه الدولة التي قد تبقى الدولة الأعظم والأقوى والأكبر الى نهايات القرن الحالي وربما أكثر.

إن أسوأ ما يمكن ان يفعله العرب هو التعامل مع الولايات المتحدة بعد هذا التحول التاريخي الهائل على أساس ان الذي حلَّ في البيت الأبيض هو ابن عمومتهم سواء بالنسبة الى لون جلده أو إلى إسلام عائلته من جهة أبيه، فهذا الرجل أصبح رئيساً للولايات المتحدة بأصوات الأميركيين، وهو وحتى إن كانت جذوره ستشده بالنسبة الى بعض الأمور فإنها لن تشده إطلاقاً في أي اتجاه مضادٍ لمصالح بلده، بل وإن باراك أوباما هروباً من تهمة هذه الجذور سيكون أكثر شدة وحسماً بالنسبة الى القضايا المتعلقة بالدول الإفريقية والإسلامية.

* كاتب وسياسي أردني