ماذا لو وقع الاعتداء من الأشخاص المدنيين على رجال الأمن؟ ماذا ستكون ردود الأفعال؟ وهل سيتعاطف المجتمع المدني معهم كما يتعاطف مع المدنيين في حال تعرضهم لاعتداءات؟

Ad

الشرطة... قوة نظامية مسلحة تابعة لوزارة الداخلية، تقوم على حفظ الأمن والنظام وحماية الأرواح والأعراض والأموال، وتنفيذ ما تفرضه القوانين واللوائح.

وتتمتع الشرطة بحق استعمال القوة من أجل حفظ الأمن وكفالة النظام ومنع الجرائم وملاحقة المجرمين، ويحدث أحيانا أن يُساء استخدام هذه القوة من قبل الشرطة، كما في حالات الضرب غير المبرر لأشخاص غير مسلحين، أو توجيه الإهانات بعد إلقاء القبض على متهمين وغيرها من الصور التي تثير سخط الرأي العام، ولطالما سلطت وسائل الإعلام ضوءها على الاعتداءات الواقعة من رجال الأمن على المدنيين، فتعد هذه الأفعال تجاوزاً للعنف المنظم الذي خوّله القانون لرجال الشرطة من أجل حفظ الأمن.

ولسنا بصدد بحث تجاوزات رجال الأمن، وإنما نسلط الضوء نحو الفرضية المعاكسة، وهي اعتداء المجتمع على الشرطة. فماذا لو وقع الاعتداء من الأشخاص المدنيين على رجال الأمن؟ ماذا ستكون ردود الأفعال؟ وهل سيتعاطف المجتمع المدني معهم كما يتعاطف مع المدنيين حال تعرضهم لاعتداءات؟

الاعتداء على الشرطة

الاعتداء يشمل المساس بالسلامة البدنية أو النفسية، كما يشمل المساس بسلامة الممتلكات المخصصة لممارسة هذه المهنة، كالزي والدورية والسلاح، وتتنوع صور الاعتداء على الشرطة وتختلف باختلاف صفة المعتدي، فالمعتدي إما أن يكون المجتمع، وإما أن يكون جهاز الشرطة ذاته، كما لو تم الاعتداء من ضابط على فرد أدنى رتبة.

الاعتداء على الشرطة في الكويت

تعد حادثة الاعتداء على رجال الشرطة ومنهم السيد مدير إدارة مكافحة الشغب- الذي نشرت صورته في القبس 27 مارس 2008– إثر التظاهرة التي تمت أمام مبنى الإدارة العامة للمباحث الجنائية للإفراج عن المشاركين في الانتخابات الفرعية المُجرَّمة قانونا، أبرز صور الاعتداء على رجال الأمن في الكويت.

ولقد أثبتت هذه التجربة تعاطف المجتمع المدني مع رجال الأمن، وقد أثيرت آراء شعبية وحكومية بشأن مدى تمتع الجهاز الأمني بالهيبة والحماية الكافية في البلاد، وهل يتم الاستخفاف بهذا الجهاز في بقية بلدان العالم؟

الاعتداء على الشرطة في الولايات المتحدة الأميركية

تشير دراسة إحصائية أجريت في (ميرلاند) إحدى الولايات الاميركية أن شرطياً من بين أربعة يُهان سنويا عن طريق (اللكم، اللطم، الرفس، العض، الطعن، الضرب بالعصي، أو إطلاق النار). كما وجدوا أن الاعتداء على الشرطة يتم 80 مرة أكثر مما يتم على رجال الإطفاء، وتشير الإحصائية أن معظم حوادث الاعتداء على الشرطة تتم ما بين الثانية عشرة بعد منتصف الليل والثانية صباحا، وأن %64 من الحوادث تتم حينما يكون الشرطي بمفرده.

ولسنا بصدد المقارنة بين نسب الاعتداءات على الشرطة في الكويت وغيرها من الدول، خصوصا في ظل انعدام مثل هذه الإحصائيات، وإن تم إجراؤها فهي لن تتوافر للجمهور، ولكن هذه الحوادث جميعها تؤكد حقيقة عدم تمتع الشرطة بالهيبة اللازمة، خصوصا أن حادث الاعتداء على مدير إدارة مكافحة الشغب المشار إليه، قد تم تنفيذه في ظل وجود قوة مساندة.

فما الأسباب وراء تجرؤ الأفراد في الاعتداء على الجهاز الأمني في الكويت وحول العالم؟

أسباب الاعتداء على الشرطة

1) الطبيعة الخطرة للمهنة

مما لا شك فيه أن التعامل مع مخالفي القانون ممن يستخدمون العنف، أمر في غاية الخطورة، فمنع الجرائم وملاحقة المجرمين يستلزمان في كثير من الأحيان حدوث التصادم بين قوى العنف المنظم وهم الشرطة، وقوى العنف غير المنظم وهم الأفراد المخالفون والعصابات، ويترتب على هذا التصادم إيلام لأحد الطرفين أو كليهما.

2) ثقافة السلطة والقوة

كل فرد ضمن مجتمع كمجتمعنا الكويتي، يتمتع بقدر كافٍ من الثقة، يصل عند البعض إلى حد التجاوز على حقوق الآخرين، وببساطة شديدة تلعب الواسطة دورها الفعال في مثل هذه المواقف، فاتصال واحد بأحد المعارف يكفي لحل أكبر المشكلات طالما أنها لم تصل إلى القضاء، وبالتالي يخرج المعتدي دون عقوبة ملائمة، وذلك على حساب هيبة رجل الأمن والأمن ذاته.

3) كبت الحريات

إن نهج القمع والقسر الذي تنتهجه بعض البلدان، والذي يترتب عليه كبت الحريات العامة وطمسها، تتولد عنه ردود أفعال قاسية، تصل في قسوتها إلى حد الاعتداء على الجهاز الأمني، الذي يخرج عن خدمة المجتمع من أجل إرضاء سلطة مستبدة، فيفقد احترامه لذاته ويتبعه فقدان احترام المجتمع له.

4) عدم وجود قوانين رادعة

اعتاد الشخص المدني المخالف للقانون بتفريغ شحنة عنفه برجل الأمن، وذلك لكون العقوبة غير رادعة، فهي لا تتعدى في معظم الأحيان الغرامة خمسين دينارا، وحينما يعلم رجل الشرطة أن الاعتداء عليه يساوي 50 دينارا، فإنه غالبا ما سيبادر بأخذ حقه بيده، وهكذا يتم ما يسمى بتجاوزات رجال الأمن.

حقبة جديدة

بعد تاريخ 2008/4/15 فإن على المرء أن يفكر ملياً قبل الإقدام على الاعتداء على رجل الأمن، فالعقوبة قد تصل إلى السجن خمس سنوات، وذلك بموجب المرسوم الذي شُرّع فترة حل مجلس الأمة.

صحيحٌ أن مجلس الأمة الحالي يتجه نحو رفض هذا المرسوم، الذي سيظل قائما إلى أقرب تقدير حتى دور الانعقاد- أكتوبر المقبل- فإن احترام رجل الأمن يجب ألا يكون بسبب القانون. الشرطي يجب أن يُحترم لأنه منوط بوظيفة عامة احترامها من احترام هيبة الدولة وسيادتها، وليس هذا فقط، وإنما لأنه إنسان أولا، ويقوم بخدمة الشعب ثانيا، ويحفظ للدولة هيبتها ثالثا. أخيرا، إن لم تُحفظ للشرطي إنسانيته، ولم تُحفظ للشعب كرامته، فلن يكون للأمن قيمته.