في أواخر ديسمبر الماضي أحال مجلس الوزراء صفقة «كي داو» للمجلس الأعلى للبترول مطالبا إياه بإلغائها بعد أن شغلت الرأي العام في جدل طويل وعريض ينقصه، في الغالب، الكثير من المعلومات الفنية المتعلقة بهذه الصفقة المليارية. وأثناء احتدام الجدل، أعلن «التكتل الشعبي» استجوابه لرئيس الوزراء إن لم يتم إلغاء الصفقة قبل بداية سريان العقد في 2 يناير 2009.

Ad

وقد عزا مجلس الوزراء طلبه من المجلس الأعلى للبترول إلغاء الصفقة إلى «المحذور المتعلق في المتغيرات الهائلة التي يشهدها الاقتصاد العالمي، التي صاحبها انخفاض شديد في أسعار البترول، وفي انخفاض الطلب عليه وتداعيات الأزمة الاقتصادية التي لا يمكن التنبؤ بكل آثارها»، وهو ما وافق عليه المجلس الأعلى للبترول رغم أنه لم يمض على إقراره لهذه الصفقة سوى بضعة أسابيع ، حيث وافق على موضوع الشراكة مع شركة «داوكيميكال» الأميركية في الرابع والعشرين من نوفمبر الماضي، أي أثناء «المتغيرات الهائلة التي يشهدها الاقتصاد العالمي» وفي عز الانخفاض الشديد في أسعار البترول.

فما الذي حصل يا ترى؟

هناك ثلاثة احتمالات على الأقل:

الاحتمال الأول: هو أن المجلس الأعلى للبترول يجهل المتغيرات الهائلة التي يشهدها الاقتصاد العالمي ولا يعرف أن أسعار البترول قد انخفضت بشدة في الآونة الأخيرة ، كما أن وزير النفط ومؤسسة البترول والشركات التابعة لها لا يدركون ذلك أيضا مما حدا بمجلس الوزراء لتنبيههم بهذه «المتغيرات الهائلة»! وفي هذه الحالة، فان الأمر يتطلب تحقيقا محايدا لمعرفة وتحديد مدى كفاءة هذه الأجهزة كافة المعنية مباشرة بإدارة ثروتنا النفطية التي تشكل المصدر الوحيد لدخلنا الوطني.

والاحتمال الثاني: هو أن المجلس الأعلى للبترول ومؤسسة البترول ووزير النفط يدركون المتغيرات العالمية التي يشهدها الاقتصاد العالمي، ولكنهم رغم ذلك قدموا معلومات غير صحيحة بهدف تضليل الرأي العام واستنزاف الثروة الوطنية والتعدي على المال العام... وفي هذه الحالة أيضا، فإن الأمر يتطلب تحقيقا محايدا لتحديد المسؤولية ومحاسبة المتلاعبين في المال العام ومن كانوا يحاولون تضليل متخذي القرار من خلال تقديم معلومات وبيانات مغلوطة وغير دقيقة.

أما الاحتمال الثالث: هو أن المجلس الأعلى للبترول ومؤسسة البترول قد اجتهدا لتقديم مشروع نفطي استثماري ناجح سيعمل مستقبلا على تنويع مصادر الدخل، ولكنه أُلغي لأسباب سياسية يقدرها مجلس الوزراء كونه صاحب القرار النهائي في هذا الشأن.

بيد أنه من المستغرب حقا أن يحيل مجلس الوزراء، مادام القرار النهائي من سلطته، الموضوع للمجلس الأعلى للبترول لكي يلغي الصفقة، مما يثير التساؤل حول وجود صفقات نفطية ضخمة أخرى تم التعاقد من قبل عليها من دون أن تُعرض على مجلس الوزراء ليوافق عليها؟ والمطلوب هنا هو لجنة تحقيق تنصف الكفاءات الوطنية النفطية التي نال سمعتها ما نالها من التشويه، رغم أنها قد أدت عملها بكفاءة ونزاهة وإخلاص، حتى تكشف النقاب عما إذا كان قد جرى من قبل تجاوز صلاحيات مجلس الوزراء في إقرار مشاريع نفطية ضخمة من هذا النوع.

على أي حال قد يكون هناك احتمالات أخرى... ولكن المؤكد هو أن الاحتمالات كلها تتطلب ضرورة تشكيل لجنة تحقيق محايدة تقوم من جهة بإنصاف ومكافأة الشريف المجتهد الذي من المحتمل أن تكون سمعته قد تضررت جراء ما رافق المشروع من شد وجذب إعلاميين وصلا في أغلب الأحيان إلى حد الطعن في الذمم المالية، وتحاسب، من الجهة الأخرى ، كل من حاول أن يتلاعب ، أو تلاعب بالفعل ، في المال العام أو استغل وظيفته للانتفاع الشخصي. وما ينطبق على مشروع «كي داو» ينطبق أيضا على المشاريع لأخرى الملغاة أو التي هي في طريقها للإلغاء كـ» المصفاة الرابعة».