ما استوقفني في برقية الشيخ بعيداً عن النظرة التشاؤمية وعنونة أمهات المشاكل وأهوال التجاوزات هو التحريض على الديمقراطية ونتائجها وتحميلها الجانب الأكبر من مسؤولية تردي الأوضاع العامة، وذلك إما بقصد وإما بتلقائية أو حتى في إطار الإحباط من كل شيء.

Ad

بيان الشيخ خالد الأحمد وزير الديوان الأميري الأسبق يعتبر امتدادا لتشخيص الأحوال العامة في الكويت وبشكل صحيح، وإن جاء من منظور أضيق كونه أحد أبناء الأسرة، فما سطره الشيخ هموم وشجون تعتصر كل مواطن كويتي غيور، خصوصا من شهد العصر الذهبي عندما امتزجت انطلاقة الديمقراطية بالانفتاح الاقتصادي والنهضة الشاملة وإرساء قواعد الدولة-المؤسسة.

نعم... كانت الكويت في القمة وسبقت جيرانها في كل شيء تقريباً، ونعم... تقهقرت هذه المكانة واهتزت على أكثر من صعيد اليوم، ولذا فمن حق أي كويتي أن يندب مثل هذا التراجع بل يزداد قلقاً كلما مر الوقت وتعقدت الأمور.

فصور الفساد التي عددها الشيخ خالد الأحمد ليست بجديدة كما أنها لا تمثل خروجاً على المألوف والمتداول على ألسنة الجميع، وحتى كونه من الأسرة لا يعتبر نقده صوتاً نشازاً داخل بيت الحكم، فقد سبقه في ذلك العديد من بني عمومته، بدءا بمرحلة ما بعد التحرير، وعلى امتداد المطبات السياسية المختلفة التي عصفت بالبلاد خلال عقدين من الزمن، ومن المتوقع أن تستمر هذه البيانات إما على شكل برقيات وإما على شكل مقالات أو مدونات طالماً بقيت الأمور على هذه الشاكلة.

ولكن أصبح هذا النوع من النقد وصور التعبير عنه روتينا عابرا يُقرأ كأي خبر عادي دونما ضجيج إعلامي أو ردود فعل سياسية، فالكل صار ينتقد من الصغار والكبار والمراقبين والمسؤولين السابقين والشيوخ وغيرهم، ولا يرجى أن يترجم هذا النقد أو الاستياء إلى برنامج فاعل أو إلى أدوات تملك القدرة على الحراك والإصلاح لانعدام ما يعرف بالمعارضة الجادة والمنظمة وتشتتها، وفي ظل جاهزية قوالب تحجيم أي صوت معارض إما في اتهامه بمصلحة ضيقة وإما خصومة شخصية أو النيل من أحد المسؤولين أو بجرد تاريخه السياسي ومواقفه السابقة، وكل بحسب الوسط الذي ينتمي إليه والمستوى السياسي أو الاجتماعي الذي يمثله.

أما ما استوقفني في برقية الشيخ بعيداً عن النظرة التشاؤمية وعنونة أمهات المشاكل وأهوال التجاوزات فهو التحريض على الديمقراطية ونتائجها وتحميلها الجانب الأكبر من مسؤولية تردي الأوضاع العامة، وذلك إما بقصد وإما بتلقائية أو حتى في إطار الإحباط من كل شيء.

وتكمن خطورة مثل هذا الطرح أولاً في محاولة استقباح الديمقراطية كمبدأ وليس كممارسة، وثانياً عدم طرح البديل القادر على المحافظة على أبجديات الحرية بكل صنوفها، وثالثاً التوقيت الزمني في تشويه سمعة الديمقراطية خصوصاً من قبل أحد أبناء الحكم والنظام ضمن أسطوانة حل مجلس الأمة والتفكير في الإقدام عليه بشكل دستوري أو غير دستوري!

ولوضع النقاط على الحروف يجب القول إن الدفاع عن الديمقراطية لا يعني تبرير أخطاء الممارسة الفاسدة باسم الديمقراطية، ولا يقصد بذلك الرضا عن تشكيلة مجلس الأمة ومطالبات أعضائه، ولعل هذا هو اللبس الكبير الذي يقع به الشيخ وغيره من نقاد السلطة التشريعية، فالرضا عن أداء مجلس الأمة شيء والقبول به شيء آخر، والإيمان بالديمقراطية شيء وتطوير العمل الديمقراطي من أجل مخرجات أفضل شيء آخر أيضاً.

فالديمقراطية في الكويت هي نفسها اليوم كما كانت في بدايات العهد الدستوري الفذ، والانتخابات هي نفسها التي جرت لمدة اثنتي عشرة مرة، ولذلك فإن السؤال الذي بحاجة إلى إجابات هو لماذا كانت الديمقراطية ناجحة ومحبوبة حينذاك ولماذا أصبحت مأكولة ومذمومة اليوم؟!