نصيحة واجبة لقادة القاعدة للقيادي البارز بالجماعة الإسلامية عاصم عبدالماجد ثمن البرجين احتلال بلدين بروز فقه جهادي جديد استناداً إلى قاعدة: حرمة المؤمن فوق حرمة الكعبة الحلقة الأولى (1-7)

نشر في 31-10-2008 | 00:00
آخر تحديث 31-10-2008 | 00:00
تنفرد «الجريدة» بنشر أحدث كتب عاصم عبدالماجد أحد أبرز قيادات تنظيم «الجماعة الإسلامية» المصري المحظور بعنوان: «نصيحة واجبة للقاعدة»، وهو كتاب يفند فيه القيادي البارز جميع دعاوى القاعدة «للقتل» داخل ديار الإسلام وخارجها، وتتجلى أهمية ما جاء فيه أنه مراجعة ونصح ينبتان من أرضية «القاعدة» الفكرية ومن داخل معسكرها الفقهي، ما يجعل الكتاب شهادة فكرية مهمة في مواجهة «القاعدة»، فضلاً عن قيمته الفقهية في مناقشة المستجدات التي طرأت على مفاهيم «الجهاد» في العالم الإسلامي.

ويمثل الكتاب إقرارا بالتحول الجوهري الذي طرأ على ذهنية تنظيم «الجماعة الإسلامية» وفكره، إذ راجعه وأقره سبعة من قيادات التنظيم هم: كرم محمد زهدي، وناجح إبراهيم عبدالله، وعلي محمد علي الشريف، وأسامة إبراهيم حافظ، وحمدي عبدالرحمن عبدالعظيم، وفؤاد محمود الدواليبي، ومحمد عصام الدين دربالة، وهم يشكلون مجلس شورى التنظيم المحظور في مصر.

ويبرهن عبدالماجد في كتابه على بروز فقه جهادي جديد يؤكد من خلاله على قيمة الحياة للمسلم وغير المسلم، مستعيداً القاعدة الفقهية المهمة «حرمة المؤمن فوق حرمة الكعبة».

وهذه مقدمة الكتاب وفصله الأول الذي يؤكد فيه مؤلفه عاصم عبدالماجد أن الصمت تجاه «القاعدة» لم يعد مبررا ولا مقبولا.

 الجريدة

منذ أن أعلنت «القاعدة» وبعض الحركات الإسلامية الأخرى تشكيل «الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين» قبل أكثر من سبعة أعوام، ونحن مدركون للخطأ الذي وقع فيه أولئك الإخوة قادة هذه الحركات، ومستشعرون للخطر الذي يحيق بهم وبالأمة من جرائه، ومتخوفون من عواقب ذلك كله وآثاره.

وقد كنا نود وقتئذ لو امتلكنا القدرة على الاتصال بهم ومناصحتهم والتحاور معهم حول الأسس الفقهية والأدلة الشرعية التي بنوا عليها هذا التحالف، لكن حالت أمور عدة بيننا وبين ما نريده. ثم جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر تتويجاً للفكرة التي تنادت بها «القاعدة» فزادتنا إصراراً على مناصحتهم، لكن ظلت الموانع تقطعنا عن تحقيق ما نريده... إلى أن تطورت الأمور تطوراً خطيراً إذ انطلقت آراء وفتاوى «القاعدة» تضرب في الأرض لتغذي عقول طائفة من أبناء الأمة فتدفعهم إلى ذات الطريق الذي سلكته الطائرات صبيحة الحادي عشر من سبتمبر، لكن هذه المرة إلى بلاد المسلمين، حيث فتحت «القاعدة» نيرانها على بلاد المسلمين وألقت بمتفجراتها بين ديارهم في السعودية وغيرها، فتفجرت في النفس براكين الألم والغضب والحسرة؛ الألم لما أصاب أهل الإسلام وبلادهم على يد فريق من أبنائه، والغضب لانتهاك حرمات الله وإراقة دماء المسلمين، والحسرة على شباب متحمس لنصرة الدين أن يكون هذا سعيه وذاك مآله.

فجاءت هذه النصيحة.

واليوم وبعد عشرين شهراً أو يزيد من كتابتها أذن الله لها أن تجد طريقها إلى النشر، فلعلها تجد طريقها إلى القلوب.

هذه النصيحة دعوة لـ«القاعدة» لتغيير خطتها... وتعديل منهجها

لاشك عندي في أن معظم الحركات الإسلامية وقياداتها وعلمائها يخالف «القاعدة» في النهج الذي اختارته منذ إعلانها تشكيل «الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين» عام 1998م، وأيضاً لا يوافقون على أفعالها أو غزواتها -حسب تعبير «القاعدة» الأثير عندها-، كما أن أهل العلم منهم يدركون أكثر من غيرهم الأخطاء الشرعية التي اشتملت عليها «غزوات القاعدة»، فضلاً عن إدراك الجميع للأخطار الفادحة التي جلبتها هذه الغزوات على الأمة وعلى التيار الإسلامي.

لكن يبدو أن القطاع الأكبر ممن لا يوافقون «القاعدة» على ما ذهبت إليه، قد اكتفى بمجرد إعلان عدم مسؤوليته وعدم موافقته على هذه الأعمال من دون أن يتطرق إلى ما وراء ذلك من نصح واجب وبيان حازم لأخطاء وأخطار هذه الأعمال إما خوفاً من أن يتهم بموالاة الأميركيين والأنظمة الصديقة لهم، وإما شماتة في الأميركيين وتشفياً منهم، وإما لأن الوقت -في عرف الناس- غير ملائم لتوجيه مثل هذا النصح والبيان. فـ«القاعدة» وقادتها في أزمة شديدة وليس من اللائق تعداد أخطائهم في مثل هذا الظرف، فضلاً عن أن السهم قد خرج من كبد القوس ويصعب، أو يستحيل، أن يصغى قادة «القاعدة» لنصح ناصح أو بيان عالم، بعد أن قطعوا شوطاً طويلاً وبعد أن فقدوا الكثير وبعد أن صار الطريق أمامهم مسدوداً. فـ«القاعدة» مستهدفة سواء مضت في طريقها أم توقفت، والشيخان أسامة بن لادن وأيمن الظواهري هما المطلوبان الأولان لأجهزة المخابرات العالمية كلها، لا الأميركية فحسب.

هذه المبررات كلها -رغم ما يبدو من وجاهة في بعضها- لا تصلح سبباً كافياً ولا عذراً وافياً يمنع أهل الدين والعلم من بيان ما أخطأت فيه «القاعدة» ومحاولة إصلاحه ونصح القائمين به لتغيير خطتهم وتعديل منهجهم.

وبيان ذلك أن «القاعدة» وقادتها وإن كانوا في مأزق شديد إلا أنهم قد وضعوا الأمة عامة والحركات الإسلامية خصوصا في مأزق أشد، وإذا كان مأزق قادة «القاعدة» قد ينتهي باستشهادهم -وهم يحرصون عليها- فإن مأزق الأمة سيظل بل ويتأزم أكثر مع مرور الوقت، لذا لابد من التفكير في علاجه وإزالة أسبابه قبل التفكير في مراعاة «القاعدة» أثناء محنتها بالكف عن بيان خطئها.

كما أن الشماتة في الأميركيين لا تمنع خطراً متوقعاً ولا تدفع خطراً واقعاً، وكيف وقد أدركوا ثأرهم وجعلوا ثمن البرجين هو احتلال بلدين والبقية ستأتي كما يبشرنا المحافظون الجدد.

نهج تدميري

ليس المطلوب من أهل الدين والعلم مجرد تبرئة الذمة ببيان مقتضب عن عدم المسؤولية، فهم معنيون أكثر من أي شخص آخر بمستقبل هذه الأمة والمصالح العليا لها، وهم المعنيون قبل غيرهم بتقويم أخطاء «القاعدة» وكفها عن الاسترسال فيها، وتبصيرها بعواقب الاستمرار في نهجها المدمر، وتبصير غيرها بمخاطر ذلك وأخطائه حتى لا ينساق آخرون وراءها.

نعم أخطأت «القاعدة» وإن لم تستطع الأمة عامة، خصوصا أهل العلم والبيان، كفها عن الاستمرار في أخطائها، فسوف ندفع أثماناً غالية. وقد دفعنا بالفعل بعض أقساط الثمن في أفغانستان والعراق وفي غوانتانامو، ودفعنا بعضها من مناهج التعليم وغير ذلك، وسيكون سكوتنا كارثة خصوصا عندما تنشأ أجيال جديدة فلا تسمع إلا دوي تفجيرات «القاعدة» ولا ترى إلا مشاهد الظلم الأميركي فتحسب أن طريق نصرة الدين في الاستمرار في نهج «القاعدة» التدميري، فيزيد البلاء وتتتابع الخسائر وتعظُم المفاسد. كل هذا وأهل العلم والديانة صامتون خوفاً من أن يتهموا بالجبن أو مراعاة للشيخين المحاصرين المطلوبين أو شماتة في أميركا وحلفائها.

لحظة تأمل

كما أنه لا ينبغي أن نستسلم لليأس اعتقاداً بأن «القاعدة» لن تستجيب لنصح ناصح ولن ينفعها بيان عالم، فإن هذا إغراق في إساءة الظن بهؤلاء الفتية وقادتهم. وما أعرفه جيداً ويعرفه أيضاً كثيرون غيري عن الأخوين أسامة بن لادن وأيمن الظواهري أنهما- فضلاً عن طيب عنصرهما وحسن منبتهما- من أهل الديانة، وأنهما صادقان في محبة الدين والرغبة في نصرته وإعلاء شأن الأمة ورفع راياتها وتحقيق المصالح المشروعة ودرء المفاسد الممنوعة. أحسبهما كذلك ولا أزكي على الله أحداً، ومن كان هذا حاله وتلك نيته فلن نعدم منه لحظة تأمل صافية ومراجعة صادقة للنفس تدله على أن اجتهاده الأول الذي عمل على ضوئه لم يكن صحيحاً، وأنه لا يحقق المصالح ولا يدرأ المفاسد، بل يضيع ما هو قائم بالفعل من عُرى الدين المتبقية، فضلاً عن اشتماله على مفاسد أخرى عديدة وتضمنه مخالفات شرعية، ومن ثم يستشعر أنه مطالب -شرعاً- أن يوقف العمل وفق هذا الاجتهاد غير الصحيح وينتقل إلى ما قد صح عنده بعد إعادة النظر والتأمل.

وهكذا حال أهل الدين والعلم في سلف الأمة وخلفها، فإنهم جميعاً مجمعون على أنه لا عصمة لأي منهم وأن من بان له خطأ قول قد قاله باجتهاد، فإن عليه الرجوع عنه إلى ما صح عنده ثانياً.

مفاسد «القاعدة»

ولا أظن أن الشيخين قائدي «القاعدة» يعتقدان في أنفسهما العصمة أو يسوغان لأنفسهما أو لغيرهما الاستمرار في العمل باجتهاد بانت مفاسده وآثاره السلبية على الأمة والملة.

نعم قد يتمتعان بإرادة التحدي وعزيمة الاستمرار، لكن هذا إنما يحمد أو ينفع حيث يكون الاستمرار محققاً للمقصود مع نوع مشقة وعناء ونصيحة... هنا تكون الإرادة القوية والعزيمة الصلبة مطلوبة كي لا ينكسر العبد أمام صعوبات الطريق. لكن عندما لا يكون الاستمرار محققاً للمراد بل يكون محققاً لعكسه، فإنه يكون نوعا من العناد والمكابرة، وأظن أن الرجلين يعرفان ذلك جيداً، وأظن أنهما قد أدركا بعض مفاسد ومخاطر وأخطاء الطريق الذي سلكته «القاعدة».

وأظن أنهما وغيرهما من قادة الجماعات التي سلكت الدرب نفسه خلف «القاعدة» كالجماعة الإسلامية بأندونيسيا، في حاجة إلى نصح صادق ومشورة مخلصة من جميع المنتسبين إلى العلم والدين، وأنهم مطالبون بأن ينصتوا جيداً لنصح الناصحين، خصوصا أن آثار أفعالهم تتعدى أشخاصهم وجماعاتهم لتنعكس على الأمة كلها.

من هذا المنطلق كتبت هذه الصفحات، داعياً كل من يملك القدرة على المشورة ألا يتخلف عن المشاركة في مناقشة القضايا التي طرحتها «القاعدة» وعملياتها سواء في بلاد الكافرين أم في بلاد المسلمين.

وسوف أجعل مناصحتي موزعة على أربعة عناوين رئيسية أراها في حاجة إلى نظر وتأمل:

الأول: «القاعدة» واستحداث نوع جديد من القتال في بلاد المسلمين.

الثاني: «القاعدة» تستلب الإمامة وتهدر الأمان.

الثالث: الغلو في الجهاد.

الرابع: مسألة «التترس» واستباحة دماء المسلمين في ديارهم.

ثم في النهاية خاتمة ونصيحة.

back to top