رأيت البارحة في ما يرى النائم، أنني أمشي في مجمع تجاري معروف، وقد تغيرت معالمه كثيراً، فكل «كافيهاته» الجميلة المنتشرة فيه تحولت إلى مطاعم «للمندي والمفطح»، أما محال الملابس والأحذية فقد أصبحت محال لبيع العبي والشيلات والنقابات، وكذلك مطاعم الوجبات السريعة أزيلت وحل محلها مكتبات لبيع الكتب والأشرطة الدينية، وانتشرت هنا وهناك بسطات صغيرة لبيع المسابيح والسواك والبخور ودهن العود، كما أن أشكال الناس قد تغيرت أيضا، فالرجال جميعهم دون استثناء يرتدون «الدشاديش» القصيرة مع «الشماغ» من دون «عقال»، أما النساء فقد اتشحن بالسواد من أسفل إلى أعلى، لا يظهر منهن إلا أعينهن!

Ad

تساءلت أين أنا؟! هل أنا في الكويت حقا أم في دولة مجاورة؟! ثم فجأة، وأنا وسط ذهولي وتساؤلاتي، إذا بي أرى ثلاثة رجال طوال شداد غلاظ، في وجوههم قسوة، وفي نظراتهم جلافة واستعلاء، وقد أطالوا لحاهم وقصّروا ثيابهم وانتفخت «كروشهم» وراحوا يفركون بحماس «منقطع النظير» أفواههم بـ«مساويك»، لهم مشية كمشية الطاووس وخيلائه، وبيد كل منهم «خيزران» يلسع بها كل مار بجانبه! رأيتهم ينظرون إلى الناس بعنجهية وهم مقطبو الحواجب، وكل من تأتي عينه في عيونهم يصيبه الرعب ويطأطئ رأسه بذلّ وانكسار!

ازدادت حيرتي، من هؤلاء يا ترى ولمَ كل هذا الخوف منهم، وأين أنا يا إلهي؟! ثم ظهر لي أحد الأصدقاء، فسألته بلهفة «من هؤلاء وأين نحن؟!» رد عليّ قائلا: «تستعبط حضرتك؟!» قلت «لا والله أنا فعلا لا أعرف» قال «كيف لا تعرفهم هل أنت أهبل؟!» قلت «اسمع أنا الآن في حلم، ولذلك لا أدري عن شيء مما يحدث» قال «آه حسنا ما دمت في حلم، فاسمع يا سيدي، نحن الآن في عام 2012، وفي كويتنا الحبيبة، أو التي كانت حبيبة، وهؤلاء هم رجال «هيئة محاربة الظواهر الدخيلة» المكلفون بالتجسس على الناس لتربيتهم وتقويم أخلاقهم ومحاربة كل ظاهرة تغريبية انبطاحية إمبريالية صهيونية بوذية ماركسية... إلخ»!

قلت «كنت أحسبها لجنة بلا أي سلطات؟» قال «نعم كانت كذلك، لكنها رويدا رويدا وخلال 3 أعوام تحولت إلى هيئة ذات سلطات لا يستطيع أحد إيقافها، فقد سكت الناس عن تجاوزاتها وتساهلوا في تدخلاتها في حياتهم الشخصية، حتى أطبقت الخناق عليهم وأصبحوا كما تراهم اليوم خاضعين خانعين!» قلت «فما وظيفتهم بالضبط؟» قال «وظيفة كل مرتزق فاشل، الشك بكل شيء وأي شيء، إنهم يشكون في الجميع، المرأة والرجل، الكبير والصغير، العاقل والمجنون، وكل إنسان مذنب بنظرهم حتى تثبت براءته، ولن تثبت أبدا، فهو معرض للاعتقال لمجرد الشك فيه، ليتلقى بعدها الركلات والصفعات، والبصق على الوجه والضرب على «القفا»، والإهانات والشتائم بكل أشكالها أثناء التحقيق معه، ليحكم عليه دون محاكمة عادلة بالجلد دون أي دليل أو شهود على ارتكابه أي إثم، لا شيء سوى اطمئنان رئيس الهيئة لـ«صدق» الأفراد الذين قاموا بالقبض عليه، حيث إنهم من «الثقات» الذين لا يكذبون أبدا «حاشاهم»، ويقال إنهم قد تورطوا في كثير من قضايا القتل والتعذيب، لكنهم بنفوذهم يخرجون دائما «براءة»!

أنهى الصديق كلامه، ولأن الحلم «حلمي» و«بكيفي» فقد قررت الاستغناء عن خدماته! ثم تابعت سيري خلف هؤلاء الرجال لأرى ما يصنعون، فما هي إلا بضع خطوات، حتى رأيتهم يقتربون من فتاة برفقة أهلها، ليلسعها أحدهم بخيزرانه وهو ينهرها بأسلوب فظ «تستّري يا قليلة الحيا، تستّري لعنة الله عليك»، ردت عليه الفتاة المقهورة بصوت باكٍ «وأنت شكو، أبوي ولا أخوي، أنت شدخلك، أنا ساتره نفسي، روح أنت استر نفسك، وطول دشداشتك اللي مطلعه نص رجولك»! ما إن أنهت جمتلها هذه حتى نزلت «الخيازرين» كالسياط على جسدها النحيل بلا رحمة، وسط صياح الأم ورجاء الأخوات، حتى وضعوها عنوة وهي تتلوى من الألم في سيارتهم «السوبربان»، ثم عادوا ثانية، ليقبضوا على مراهق صغير اشتبهوا فيه لمروره بجوار بعض الفتيات وقد أكل المسكين «طراقات» لا عد لها، ثم قبضوا على آخر وهو يستخدم موبايله، فقد ظنوا أنه يرسل «بلوتوثا» لإحدى الفتيات التي لم تشتكِ لهم أو لأي أحد آخر، وليس لديهم أي دليل يثبت أنه كان يرسل «بلوتوثا» لها، و«هات يا ضرب وإهانات وفضيحة أمام الناس»، الذين وقفوا خائفين وعاجزين عن التدخل في الأمر!

كابوس مزعج وكريه، وقد قررت إنهاءه، فصحوت من النوم، أحمد الله على العفو والعافية، لكن الباقي عليكم أيها المواطنون الطيبون أن تصحوا، وتنهوا كابوسكم القادم، فقد بدأ المشهد الأول منه!