من صدام إلى الملا عمر!
وكأن كل شيء لم يتغير، لا في هذه المنطقة ولا في العالم، فالذين بُحَّتْ أصواتهم وهم يهتفون لأكثر حكام الأرض استبداداً ها هُم الآن يهتفون بالأصوات ذاتها، ومن خلال الحناجر إياها لحركة «طالبان» الأفغانية، التي لم يشهد التاريخ مثلها حركة دموية، حتى بما في ذلك الحركة «القرمطية» التي رغم كل أفعالها الشائنة ضد المسلمين فإن يساريي القرن العشرين اعتبروها أول حركة شيوعية- اشتراكية، على اعتبار أنها أباحت السطو على أموال الناس والاعتداء على أعراضهم.إنه مشهد لا يمكن نسيانه؛ فإحدى وكالات الأنباء العالمية المشهورة بدقتها ومصداقيتها كانت قد وزعت صوراً، امتنعت صحف كثيرة عن نشرها حرصاً على عدم جرح مشاعر قرائها، لميدان إعدامات بعرض وطول منطقة صحراوية بأكملها، تُظهر هذه الصور نساءً كالأشباح لا يظهر من وجوههن أي شيء وهنَّ يجثوْن على ركبهن، وخلفهنَّ رجال ملتحون، لحية كل واحد منهم بمقدار قبضتين حسب «السُّنة» التي فرضها أمير المؤمنين الملا عمر على أهل أفغانستان، يتبادلون إطلاق نيران البنادق «الأوتوماتيكية» على رؤوسهن من الخلف.
ثم إن هناك مشاهد لا أقبح منها ولا أبشع، فقد بقيت كاميرات الفضائيات العالمية تنقل صوراً مفزعة ومرعبة من شوارع كابل وقندهار، وجلال آباد للملتحين أنفسهم، وهم يطاردون الفتيات والعجائز من شارع الى شارع، وينهالون عليهن ضرباً بالكرابيج الجلدية والعصي، وينهالون على أقفيتهن رفساً بالأحذية العسكرية الثقيلة... هذا علاوة على إغلاق مدارس الإناث في طول البلاد وعرضها، ومنع التلفزيونات، وإلغاء المحاكم المدنية وبالطبع منع كرة القدم وكل أنواع الرياضة، وإجبار كل الرجال على إطلاق ذقونهم بمقدار قبضتين بمقاسات كف الملا عمر. إن المشكلة مع «طالبان» ليست سياسية فقط، وإنما اجتماعية وإنسانية وثقافية بالدرجة الأولى، فالتخلف الثقافي والاجتماعي الذي فرضته على المناطق التي حكمتها من أفغانستان لا مثيل له في العصور الوسطى، ولا في العصور الحجرية، وهنا فإن الصورة التي لاتزال حاضرة في الأذهان هي صورة تفجير التماثيل البوذية التي عمرها آلاف السنين، والتي حافظ عليها المسلمون منذ فتحهم لتلك المناطق منذ أكثر من ألف عام، وذلك رغم ان الإسلام كان لايزال طري العود، وكان تحطيم أصنام مكة لم يتلاش من الذاكرة بعد. إنهم إياهم... فالذين كان مثلهم الأعلى في البطولة والشجاعة والديمقراطية والعروبة والإنسانية صدام حسين حتى عندما كان يُثقِّب صدور رفاقهم ورفاقه في ميادين الإعدام ويفجر رؤوسهم، وحتى عندما كان يحرق الأكراد في حلبجة بالمواد الكيماوية!! هم الذين يملؤون الدنيا الآن إشادة بحركة «طالبان» وبـ«الملا عمر» وبأسامة بن لادن وأيمن الظواهري... وللأسف فإن بعض تنظيمات الإسلام السياسي لا تخجل من أن تحتل الصفوف الأمامية لهؤلاء، والحجة هي أنه لا ضرر ولا ضرار من التحالف مع الشيطان ضد الولايات المتحدة الأميركية. * كاتب وسياسي أردني