سؤال النهضة

نشر في 25-05-2009
آخر تحديث 25-05-2009 | 00:00
 لمى فريد العثمان إبراهيم البليهي، عضو مجلس الشورى السعودي، هو مفكر تنويري ليبرالي سبق عصره في طروحاته الفكرية... درس في كلية الشريعة بالرياض... وتحمل مسؤولية أخلاقية كبيرة في محاربة الثقافة السائدة والموروثات التقليدية، وقد عاش وسط العديد من الفقهاء المتخرجين من المدرسة السلفية الحنبلية.

واهتمامي بطرح المفكر إبراهيم البليهي يأتي بسبب التساؤل المستمر عن أسباب نهوض المجتمعات، فقد كتبت مقالا بعيد نتائج الانتخابات 2008 (حين اكتسح التيار الأصولي المجلس) أتساءل فيه عن أسباب النهضة؟ واليوم يبقى سؤال النهضة مطروحا بقوة لا سيما بعد الانتخابات الأخيرة التي أتت بمجموعة لا بأس بها تحمل حسا مدنيا جعلت الكثير منا يتفاءل بمصير المستقبل، فما سبب هذا التحول المفاجئ في مزاج الناخبين؟ وكيف لهم أن يتحولوا هذا التحول الجذري في أقل من سنة؟ وهل سؤال النهضة هو أكبر وأعمق مما يحدث من حراك سياسي ومزاج انتخابي؟

أسئلة كثيرة لا يمكن البحث عن أجوبة لها دون دراسة متمعنة ومتأنية لهذه الحالة، ولكن لا أعتقد إطلاقا أن الحراك السياسي (في أقل من سنة) كان بسبب الحراك الفكري، وهو ما يعنينا اليوم في بحثنا عن الأسباب العميقة والجذرية للنهوض بالإنسان والمجتمع والدولة؟ وهو سؤال رافق البليهي منذ بداياته، وشكل محورا رئيسا لمشروعه الفكري الممتد لأكثر من عقدين من الزمن وهو: «لماذا تقدم آخرون وتخلفنا نحن؟».

يرى البليهي أن سبب تخلفنا هو آفة الانغلاق الفكري الذي يزيف وعينا ويجعلنا نتقولب بقوالب المورثات السائدة والاعتقاد بالكمال المطلق دون الأخذ بأهم ما توصلت إليه البشرية، وهي نسبية الحقائق والمعارف، كما يحلل واقعنا بأننا لا نعاني التخلف فحسب، إنما التقهقر الذي لن نستطيع الخروج منه، ومن هذا «التوارث التلقائي للوعي الزائف»، إلا من خلال غرس الثقافة النقدية، «فكل تجارب الشعوب التي تجاوزت موانع النهوض وبارحت خنادق التخلف تؤكد هذا الشرط المبدئي».

لذا فشرط النهضة وسر أسرار التقدم هو الحراك الثقافي الفكري الذي يعتمد على إعمال النقد في كل شؤون الحياة، فهو الوقود الذي يحرك المجتمعات، ويحدث «طفرة فكرية تنقل الثقافة من الركود إلى الحركة ومن الدوران الأفقي إلى الصعود الدائم» حسب تعبير البليهي، ويقول إن التاريخ يؤكد «أن كل المجتمعات تظل تدور في دائرة مغلقة حتى ينتشلها الفكر النقدي من هذا الدوران العقيم، ومن هنا بقيت معظم شعوب الأرض متخلفة رغم توافر العلوم وتعميم التعليم وفيض الأفكار وتجسيد عوامل الازدهار في تجارب الشعوب الناهضة لأن الثقافات المغلقة ذات بنى موصدة فلا تنفتح إلا بالفكر النقدي، أما المعلومات وحدها فليس لها أي تأثير مهما تراكمت وتنوعت، إنها تبقى خارج البنية الثقافية للمجتمع وخارج البنية الذهنية للفرد، فلا يتأثر بها المجتمع ولا يتأثر بها الفرد إلا في حدود المتوافر من الفكر النقدي».

خلاصة القول، إن الحراك السياسي مهم، ولكن الحراك الفكري هو الإجابة عن سؤال النهضة.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top