Ad

على الرغم من انخفاض شعبيته وتمرُّد أعضاء البرلمان ضده، وجد رئيس وزراء بريطانيا غوردن براون الوقت لإجراء مكالمة هاتفية مع المغنية الكولومبية الأكثر شهرة شاكيرا والنجمة التي يرغب كل سياسي ربط اسمه بها.

ثمة لحظة حاسمة في حياة شاكيرا إيزابيل مبارك ريبول، لحظة تتفق عليها حشود معجبيها وماكينتها الدعائية المذهلة، تظهر أن العالم يملك الآن نجمة كبيرة.

عندما كانت في السابعة من عمرها، اصطحبتها عائلتها إلى مطعم شرقي في مسقط رأسها، مدينة بارانكيا الكولومبية. ومع بدء العزف على الطبلة وصعود الراقصات الشرقيات إلى خشبة المسرح، وقفت الفتاة الصغيرة مدفوعة بـ{غريزة طبيعية»، على حد تعبيرها، «لهزّ وركيّ وبطني على وقع الموسيقى. أحببت ذلك الشعور الذي انتابني لدى وقوفي على خشبة المسرح».

إنه نوع الحركات العفوية والجريئة الذي يعجز غوردن براون عن أدائه، على حد قول نقاده. ففي السن نفسها، كان براون، الذي ترعرع في بلدة كيركالدي الواقعة في مدينة فايف الاسكتلندية، يمضي أيامه في الدراسة وممارسة رياضة الرغبي والإصغاء إلى عظات والده.

لكنْ هذان العملاقان، ابن القس الذي اتخذ من السياسة مهنة له والمغنية والراقصة اللاتينية المثيرة، تحدَّثا عبر الهاتف لمناقشة الوضع التعليمي للأطفال الأكثر فقراً في العالم وانضما إلى رئيس البنك الدولي روبرت زوليك في دعوة حكومات العالم إلى تأمين مراحل التعليم الأساسية لثلاثمائة مليون طفل محرومين من أي نوع من التعليم الرسمي.

واليوم، دقت شاكيرا (31 عاماً) ناقوس الخطر مرة أخرى، لكن في العاصمة واشنطن حيث انضمت إلى سياسيين من الكونغرس وطلاب من أنحاء البلاد يسعون إلى زيادة الوعي حيال «قانون التعليم للجميع» الحائز على تأييد الحزبين والذي مُرر العام الفائت. يدعو هذا القانون الرئيس جورج بوش إلى معالجة التحدي المتمثل بتأمين فرص تعليم متساوية لجميع الأطفال حول العالم.

سحر المشاهير

صحيح أن براون ينادي بأنه يفضل المضمون السياسي على الاستعراض، إلا أنه أصبح يدرك الآن السحر الذي يمكن أن يضفيه المشاهير على مواضيع غالباً ما تُعتبر أكثر تعقيداً أو مللاً من أن تخترق عقول عامة الشعب. لذلك اتفق في الأعوام والأشهر الأخيرة مع نجم الروك بونو بشأن الديون الإفريقية، وناقش مسألة دارفور مع الممثل جورج كلوني، وتكلم عن مسألة الشفاء من سرطان الثدي مع كايلي مينوغ.

لكن في حالة شاكيرا، يطمح براون إلى التعاون مع فنانة لا تشاطره حسه الأخلاقي وحبه الاستثنائي للعمل فحسب، إنما تقطع حوالي 64 ألف كيلومتر شهرياً وتجري 40 مقابلة يومياً من دون التطرق إلى الموضوع ذاته مرتين، وتجسد أيضاً تشجيع رئيس الوزراء للمواهب.

مسيرة فنية حافلة

لا شك في أن مَن يعتبرونها النسخة اللاتينية لبريتني سبيرز مخطئون جداً، وفق فيل ستانتون، أحد مؤسسي شبكة الموسيقى العالمية وشخصية بارزة في صناعة الموسيقى الكولومبية. يقول ستانتون: «ترى في عملها ذكاء موسيقياً حقيقياً. فهي تملك أفكاراً رائعة وتتمتع بأذن موسيقية ممتازة وسطع نجمها منذ اعوام. بدأت شاكيرا نجوميتها في سن يافعة، وطورت مهنتها الى ان أصبحت ظاهرة في أميركا اللاتينية والعالم الناطق باللغة الإسبانية. إنها محترفة بكل معنى الكلمة. فعندما حانت اللحظة المناسبة، كانت في أتم الإستعداد لها».

تقدَّر راهنا ثروة شاكيرا، احد الأولاد التسعة لرجل أعمال لبناني يقيم في كولومبيا، بحوالي 38 مليون دولار، ما يجعلها المغنية التي تحتل المرتبة الرابعة في العالم من حيث الإيرادات بعد مادونا وبربارا سترايزند وسيلين ديون، بحسب مجلة «فوربز». كذلك تُعتبر المغنية الإسبانية التي باعت العدد الأكبر من الألبومات، وحظيت باحترام السياسيين والمعجبين على حد سواء. فضلاً عن ذلك، تتمتع هذه المغنية بشهرة فريدة في صفوف المراهقين في العالم، خصوصاً فتيات أميركا الجنوبية.

إلا أن نجاحها لم يتحقق بين ليلة وضحاها. بعد تلك الأمسية في المطعم، كافحت كثيراً لتنطلق في مجال الغناء. منعها الراهبات من المشاركة في كورس المدرسة وقلن لها إن صوتها أشبه بصوت «معزاة»، مع أنهن شجعن شغفها بالرقص الشرقي واعتبرنه أمراً ثقافياً غير منافٍ للدين.

لكنها تمكنت في النهاية من توقيع صفقة لإطلاق ثلاثة ألبومات بعدما فاجأت مديراً تنفيذياً في شركة للتسجيلات في قاعة نزل في مدينة بارانكيا. إلا أن الألبومين الأولين لم يحققا أي نجاح.

عندما بلغت الخامسة عشرة من العمر تركت المدرسة. كانت تعيش في بوغوتا، وتظهر في البرامج الترفيهية التي تتطرق إلى الإشاعات والأقاويل. وفجأة، وجدت نفسها محور الاهتمام في أتفه الأسباب الفنية على الإطلاق.

والمفاجأة الكبرى أتت مع صدور ألبومها الثالث، Pies Descalzos (Bare Feet، الذي باعت منه أربعة ملايين نسخة في أميركا اللاتينية في وقت لم يكن بإمكان أي شخص يغني باللغة الاسبانية أن يطالب بحقه بالنجومية العالمية، لأن السوق الأميركية ترفض منح هذا الحق إلى أشخاص لا يغنون باللغة الإنكليزية.

إلا أنها ردت على هذا الظلم بتسجيلها ألبوم باللغتين الإنكليزية والإسبانية بعنوان Servicio De Lavanderia, Laundry Service. لكن النقاد استمروا بالادعاء أن عملها باللغة الإنكليزية، التي يُقال إنها تعلمتها من خلال اللجوء إلى القواميس المتخصصة في كتابة الشعر وكلمات الأغاني ومطالعة شعر ليونارد كوهين، ما زال ضعيفاً ومبتذلاً مقارنة بالأعمال التي أدتها بلغتها الأم. غير أن ذلك لم يمنعها من توقيع عقد مع المتعهد الفني فريدي دي مان، الذي ساعد في إطلاق كل من مايكل جاكسون ومادونا وألانيس موريسيت.

يُشار إلى أن الألبومين اللذين أصدرتهما بعد ذلك باللغتين الإنكليزية والإسبانية Oral Fixation Volumes 1 and 2 ، واللذين روجت لهما من خلال جولة واسعة حول العالم، أهلاها للحصول على جائزتي «غرامي» وMTV.

مع أنها غادرت بلدها كولومبيا لتنعم بالراحة على شواطئ «كي بيسكاين» في ميامي في الولايات المتحدة الأميركية، حيث تتمتع بأكبر قاعدة من المعجبين، إلا أنها ما زالت قدوة في وطنها الأم. ويفسر ستانتون ذلك بالقول إن «الشعب الكولومبي يتمتع بروح وطنية عالية ويكن التقدير إلى أي من شخصياته الوطنية إذا كانت ناجحة فعلا. لا شك في أن البعض ينتقدها، لكن الغالبية الساحقة من الكولومبيين تؤيدها مئة في المئة».

بين شاكيرا وماركيز

ومن أشد المعجبين بشاكيرا الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز. فهذا الأديب الذي حصد جائزة «نوبل» مغرم بالمغنية الشابة، وهو متأكد من أنها هدية من الله إلى الجنس البشري. أثنى ماركيز على شاكيرا في إحدى كتاباته عنها بالقول إنها «بوجهها الشاب الرائع وهشاشتها الخادعة، كانت واثقة تماماً من أنها ستصبح شخصية معروفة ذات شهرة واسعة. لم تكن تعرف في أي مجال فني ولا بأي طريقة ستحقق ذلك، لكن لم يراودها أدنى شك في أنها ستنجح، كما لو أن الله حدد مصيرها مسبقاً».

غير أن التضامن الوطني جمع الاثنين معاً مرة أخرى في العام الماضي عندما طلب مركيز من شاكيرا شخصياً تأليف موسيقى الفيلم المقتبس من روايته «حب في زمن الكوليرا». وكانت تلقت دعوة للظهور في الفيلم، لكنها تخلت عن الدور عندما عرفت أنه يشتمل على مشاهد ستُضطر فيها إلى التعري.

في المقابل، لقيت موسيقاها الترحيب لأنها جسدت أوجهاً واسعة من إرث كولومبيا الثقافي، خصوصاً اعتمادها على الآلات الموسيقية التي كان سكان كولومبيا الأصليون يستعملونها. ويُذكر أن أغنيتها Despedida رُشحت لجائزة «غولدن غلوب».

فضلاً عن ذلك، استحقت المديح لأنها ساعدت في محو الصورة العنيفة التي كوّنها البعض عن كولومبيا. ويقول ستانتون في هذا السياق: «عندما يكتب الناس عن كولومبيا يميلون تلقائيا إلى التحدث عن المخدرات والعنف، لكن بوغوتا تتغير الآن وتتحول إلى مدينة يسودها السلام نسبياً، فضلاً عن أن اقتصادها يتحسن. لا شك في أنها تشهد أعمال عنف كثيرة، لكنها تنحصر بشكل أساسي بالأشخاص الذين يقومون بأعمال غير مشروعة». بيد أن هذا الوضع لم يدفع الفنانين والموسيقيين إلى القيام بأي نوع من النشاطات الموسيقية ليكون صرخة احتجاج على الحالة الراهنة. ويتابع ستانتون مستطرداً: «يتطرق بعض الفنانين إلى مواضيع سياسية، إلا أن الموسيقى عموما تتمحور حول الاستمتاع، مع أنهم يتلاعبون بالكلمات التي لها معانٍ عدة أحياناً».

سفيرة الـ «يونيسيف»

ليست هذه المغنية الشابة بغريبة عن الوضع السياسي السائد في أميركا اللاتينية بتقلباته كافة. وعلى الرغم من علاقة الحب الرومانسية التي ربطتها بالممثل الايرلندي كولين فاريل، إلا أن مرافقها الدائم وحبيبها منذ عام 2000 هو أنطونيو دي لا روا، نجل الرئيس الأرجنتيني السابق فرناندو دي لا روا. ويُذكر أن دي لا روا الأب أُجبر على التنحي عن منصبه بسبب موجة كبيرة من التظاهرات حصلت في أوج الأزمة المالية التي مرت بها الأرجنتين عام 2001، دعا خلالها المتظاهرون زوجة ابنه العتيدة إلى المساعدة في تسديد الدين الوطني. علاوة على ذلك، وجَّه أحد القضاة الفدراليين العام الماضي إلى الرئيس السابق تهماً بالفشل في الحؤول دون قتل خمسة متظاهرين خلال موجة الشغب، ما يغزّز الاحتمال بأن يخضع لمحاكمة محرجة جداً قد تصادف وموعد زواج دي لا روا الابن بالنجمة الشابة الذي ينتظره كثر.

لكن يبدو أن هذه الحادثة لم تؤثر بشكل كبير في سمعة شاكيرا. فالمؤسسة الخيرية التي أنشأتها هذه الأخيرة، والتي تحمل اسم Pies Descalzos Foundation أو الأقدام الحافية، تجمع المال منذ عام 1997 لأطفال كولومبيا الأكثر فقراً. كذلك غنّت في لندن في حفلة الجمعية الخيرية Prince’s Trust، وفي حفلة في باريس اقيمت ضمن إطار مهرجان Live 8، وفي حفلة Live Earth البيئية العام الماضي في ألمانيا. وبصفتها سفيرة «اليونيسيف» للنوايا الحسنة، زارت بنغلادش والسلفادور في إطار حملة لمساعدة الأطفال الذين ضرب مناطقهم إعصار وأولئك الذين يدمر العنف حياتهم.