الجريش والتضخم على الطريقة الكويتية
بلغ معدل التضخم في الكويت الشهر الماضي أكثر من 11%، وتعد النسبة الحالية للتضخم عالية جداً حسب المقاييس العالمية والاقتصادية، إذ إن أعلى مستويات التضخم المسجلة هذا العام عالمياً سجلت باسم نيوزيلندابـ 12.5%، بينما كانت أقلها من نصيب انكلترا بواقع 3.8%. وعلمياً، يعني التضخم الارتفاع المستمر لمستوى الاسعار، وأحد أهم أسباب معاناة الشعب الكويتي من التضخم الحالي هو ان الكويت كانت إحدى الدول القلائل التي لم تعاني تاريخيا مشاكل التضخم بهذا الشكل، حتى ان معدلات التضخم في الكويت وصلت الى مستوى الصفر خلال عقد التسعينيات.
ومادمنا في مرحلة تضخم، فلابد من الإشارة إلى اتفاق جميع المدارس الاقتصادية على ضرورة الابتعاد كلياً عن أي شكل من أشكال زيادة الانفاق أو زيادة الاجور في هذه الفترات، إذ لن تؤدي مثل هذه الزيادات إلا الى مزيد من التضخم، وهذا ما حدث فعلا بعد زيادة الـ120 ديناراً للرواتب التي أقرها مجلس الأمة، وهو ما سيحدث بعد زيادة الـ50 ديناراً التي أقرت أخيراً، ولا نحتاج إلى أكثر من سؤال أي رب أسرة إن كان قد شعر بتحسن في مستوى المعيشة له ولأسرته بعد صرف هذه الزيادات، وستكون الإجابة غالباً بالنفي. وتكمن المشكلة في ظل هذا التضخم في عدم اكتفاء الحكومة والمجلس بالزيادات التي أقرت، والتي ساهمت في إشعال التضخم من جديد، إذ أعلنت الحكومة أخيراً على لسان وزير التجارة والصناعة أحمد باقر أنها ستدعم السلع وستقدم ما أسمته بـ«الهدية الرمضانية»، التي تحتوي على حزمة من المواد الغذائية مجاناً للمواطنين، وقد يفرح المواطن ذو الدخل البسيط بمثل هذه الحلول، إلا أن اعلان الحكومة زيادة انفاقها بتقديم دعم لسلع معينة وتقديم مواد غذائية مجانية هو رسالة واضحة وصريحة ومباشرة للتجار لزيادة اسعارهم، حتى يستفيدوا من هذه الزيادة في الانفاق، كما كانت الاستفادة من زيادة الأجور، فزيادة الأسعار هي رد منطقي على مثل هذه القرارات. لقد كان الأولى بأصحاب القرار بداية تجميد الاسعار، واصدار القرارات التي من شأنها أن تعاقب أي زيادة قد تطرأ على الاسعار قبل اعلان دعم بعض السلع وتوزيع الهدايا الرمضانية والهبات على المواطنين، ومن ثم بعد تجميد الاسعار لابد من دراسة شاملة لكل الزيادات التي طرأت على الاسعار خلال العامين المنصرمين، من خلال انشاء هيئة مستقلة لحماية المستهلك من المختصين، وتحديد الاسعار العادلة لكل سلعة بعد المقارنة بمستويات الاسعار العالمية والاقليمية، فالهدف هو حماية الاقتصاد الكويتي بشقيه من مستهلكين وتجار.من الواضح اليوم لكل متابع للشأن المحلي أن الحكومة تحاول جاهدة حل مشكلة التضخم وزيادة الأسعار، الا أن المصيبة تكمن في طريقة التعاطي عبر استقاء الحلول من أفواه المواطنين والدواوين وليس المختصين، ففي مثل هذه الاوقات نحن في حاجة إلى تكنوقراط لاتخاذ القرارات الفنية اللازمة لمعالجة بوادر أزمة قد تعصف بالطبقة المتوسطة إذا ما استمرت، وهي مرشحة للاستمرار في ظل طريقة التعاطي الحالية، مما ينذر بأزمة اجتماعية قد يكون من الصعب جداً حلها في المستقبل.* أستاذ الاقتصاد - جامعة الكويت