د. سعود الحميدان: تخفيف التوتر والضغوط النفسية يحتاج إلى تدريب وبرامج

النظام الغذائي والتلوث البيئي والبصري والوظيفة وضغوطها، أسباب تؤدي إلى أمراض نفسية متعددة الأعراض.

المرشد النفسي ومستشار المهارات الحياتية د. سعود الحميدان يقول، إن نمط الحياة الاجتماعية اختلف اختلافا كليا عن سابقه مجتمع ما قبل النفط، حيث كانت الأسرة الكبيرة هي الحاضنة الاجتماعية التي يعيش فيها الانسان، ويأخذ من الخبرات والسلوك اللذين توفرهما فروق الأعمار فيها، اضافة إلى قلة المؤثرات الخارجية من وسائل اعلام ومؤثرات اخرى وضعفها، ويضيف أن التأثير المتأتي من الحركة الأدبية على بساطتها في ذلك الوقت، كان ملحوظا على المزاج العام، حيث ظهر الشعراء المحليون والمطربون ومحبو الأدب، كما كانت حركة الأدباء في الوطن العربي قد أثرت كثيرا في الوضع المحلي من خلال زياراتهم المتكررة للكويت لإقامة أمسيات ثقافية متنوعة.

ويعزو د. الحميدان في محاولته تفسير أثر الضغوط الحياتية في ظهور بعض الأمراض النفسية، الى وسائل الاعلام المنفتحة والمسلسلات والفضائيات واختفاء وسائل الاتصال الانساني واستبداله بالرسائل القصيرة، ولجوء الشباب إلى تجمعات تضم أعمارا متقاربة، تحرمهم من أخذ الخبرة ممن يكبرونهم سنا، والوفرة المادية التي جعلت الحصول على الاشياء والكماليات أمرا سهلا جدا، كل هذه عوامل ساعدت في تشكيل انسان هذا العصر والتأثير في نفسيته، فحتى الوقت الذي كان يمنحه الأب والأم لافراد الاسرة اختلف توقيته اليوم بسبب العمل ومتطلباته، إذ أصبح لدينا جيل غير قادر على التعبير بصدق عما في داخله.

ويضيف د. الحميدان، ان طرق التوجيه السلوكي داخل الكثير من الاسر لا تتفق واسس التربية الصحيحة، فهناك سلوك خاطئ يرتكبه اولياء الأمور ضد ابنائهم، يتمثل في مقارنتهم بالآخرين الناجحين، ما يخلق عقدا نفسية لدى المراهقين ويساهم في التقليل من قيمة انفسهم أمام الآخرين.

النظام الغذائي والتلوث البيئي

ويضيف د. الحميدان ان الانظمة الغذائية وما شابها من تغيرات ملحوظة سواء في مكوناتها الاساسية او في توقيت اكلها، أثرت هي الأخرى في تشكيل نفسية الأفراد، فالاطعمة المشبعة بالدهون والنشويات أدت إلى أمراض عضوية ونفسية في ذات الوقت، وأفرزت أنماطا من السلوك الحياتي لكثير من الكويتيين.

اما التلوث البيئي فهو الآخر ساهم في تشكيل نفسية الناس، فالمسممات الموجودة في الهواء والماء والارض لها تأثير كبير في صحة الانسان بالكويت، اضافة إلى شريحة من العاملين في قطاعات صناعية مختلفة تتعرض لدرجات من السموم تودي بصحتهم ونفسيتهم وتعرضها للخطر.

الذوق والألوان

كما ساهمت طرق بناء المنازل والمحال التجارية في تشكيل الذوق العام والتأثير السلبي فيه، وهو جزء من نفسية الإنسان فنشاهد اليوم استخدام الالوان الصارخة اوالمؤذية للبصر، اضافة إلى طبيعة المواد الانشائية المستخدمة في بناء البيوت الخاصة من المواد البلاستيكية والسيراميك والرخام، وغيرها من المواد التي لا تكون في العادة صديقة للانسان وتؤثر في نفسيته، إضافة إلى كون البيوت الخاصة اصبحت مقسمة بطريقة لا تتيح مجالا للحركة الحرة، كما كانت عليه البيوت في السابق، اضافة إلى اضمحلال فكرة «الفريج» التي كانت متنفسا يستهلك طاقة الشباب ويشكل ساعتهم البيولوجية، حيث كانت ساعة النوم في الليل مبكرة عكس الوضع الآن.

كثرة الأمراض

ويؤكد د. الحميدان ان ما يمكن تسميته بالأمراض النفس- جسدية «السيكوماتية»، كثرت في الآونة الاخيرة، كضيق الصدر والصداع والقولون وآلام الرُّكب، كما أدت انماط معينة من التربية الاجتماعية إلى ظهور قضية التحرش الجنسي، والذي يرتد إلى سبب رئيسي هو البحث عن العاطفة والحب والحنان من مصدر خارج المنزل.

وظهرت ايضا قضايا أخرى، كاللجوء الى السجائر والشاي والمخدرات والحبوب بكثرة، اضافة الى صعوبة تكيف البعض مع الفصل الاجتماعي بعد عودتهم من الدراسة، وهو ما يؤدي باجتماع اسباب اخرى الى تزايد القلق او الانطواء او التمرد، وأحيانا الكراهية.

التعليم والتدريب

ويؤكد د. الحميدان أن تغيير هذه الانماط والسلوكيات بحاجة الى تدريب وتعلم، والانفتاح على العلوم المختلفة كعلم النفس وعلم الطاقة من خلال المتخصصين الذين يستطعيون التعامل مع حالات مختلفة من الاكتئاب، او النظرة السلبية للحياة، ومثل هذا الانفتاح على البرامج التي تقدمها هذه العلوم يخلق في الانسان بالذكاء الاخلاقي والذي يظهر في حب التسامح وقلة العنف وتعلم الحوار، والذكاء العاطفي الذي يظهر في حب المجتمع وحب الأهل والوالدين والناس بشكل عام. والذكاء الموسيقي الذي يساعد في الشعور بالسعادة، وكذلك سماع القرآن الكريم أو تلاوته، والذكاء البصري الذي يساعد الانسان في الاستخدام الجيد للصورة الى آخر هذه القضايا، فالتعليم مهم جداً ويساعد الانسان في كيفية التخلص من التوتر من خلال اكتسابه المهارات الحياتية.

كما ان برمجة الحياة وخلق انشطة باستمرار يؤديان الى خفض حالات التوتر او الاكتئاب والضغوط اليومية، فيجب على الانسان ان يجعل جزءاً من حياته الخروج الى البحر او المكتبات أو المتاحف او المطاعم، او حتى حضور الندوات التي تلائم ذوقه ومعرفته.

ويؤكد د. الحميدان ان النظرة الى من يرتاد عيادة نفسية لاتزال سلبية ويجب تغييرها، اذ يجب هنا التفريق بين المرض النفسي وباقي انواع التوترات التي قد تسببها أمور عادية كالوظيفة اليومية.