أمن الخليج!
ضروري أن يكون أمن الخليج همّاً رئيسياً لهذه المنطقة كلها فالحروب الثلاث أو الأربع، التي كان ميدانها الميدان الخليجي الأوسع، والتي تلاحقت بدءاً بثمانينيات القرن الماضي، شملت بانعكاساتها السلبية وبأشكال مختلفة الإقليم كله من أقصى نقطة في المغرب العربي على المحيط الأطلسي وحتى كل نقاط التلاقي والتماس على الحدود مع إيران في الشرق، وجاء هذا كاستحقاق طبيعي بقي يترتب وعلى مدى كل العصور القريبة والبعيدة على هذا الموقع الاستراتيجي المهم الذي كان ولايزال الوصول إليه هدفاً لكل الدول الكبرى الساعية إلى مكانة عالمية. لم تشهد أي منطقة في العالم أربع حروب -هي حرب الخليج الأولى التي استمرت ثمانية أعوام وحرب تحرير الكويت من غزو نظام صدام حسين ثم حرب الخليج الثالثة التي لاتزال مفتوحة على شتى الاحتمالات، وحرب أفغانستان الأخيرة التي هي في واقع الحال حرب خليجية- إلا هذه المنطقة، وليس السبب هو النفط وحده، وإنما بالإضافة إلى هذا العامل المهم جداً هو الموقع الاستراتيجي الذي بقي ساحة معركة مستمرة قبل الإسلام وبعده وحتى هذه اللحظة.
الآن وبينما الأنظار مسلطة على هذه المنطقة الاستراتيجية والحيوية فإن السؤال المطروح هو: من الذي يا ترى يهدد أمن الخليج، الذي يصر العرب على أنه خليج عربي، ويصر الفرس على أنه خليج فارسي، والذي رفضت الثورة الإسلامية اعتباره خليجاً إسلاميّاً، هل هو إيران أم الولايات المتحدة الأميركية أم إسرائيل أم الإرهاب أم الدول التي تحاول لعب أدوار أكبر من حجومها فتستدرج كل ضباع الأرض وغيلانها إلى منطقة ملتهبة واشتداد التهابها ليس بحاجة إلى أكثر من عود ثقاب؟!. كانت هذه المنطقة طوال سنوات الحرب الباردة نقطة صدام بين الغرب والشرق، أي بين المعسكر الرأسمالي الغربي بقيادة الولايات المتحدة التي كانت ولاتزال تعتبر الخليج خندقها الأمامي في المواجهة العالمية وبين المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي الذي كان الوصول إلى المياه الدافئة أحد أهدافه الرئيسية، وفي هذا الإطار بالإمكان إدراج حروب اليمن وتقلباتها وما يسمى ثورة عُمان وبالطبع كل انقلابات العراق العسكرية والحرب العراقية- الإيرانية وغزو الكويت والحرب الأخيرة أي حرب عام 2003، وأيضاً كل التقلبات التي شهدتها أفغانستان منذ انقلاب الجنرال داود عام 1975 وحتى هذه اللحظة، وكل التقلبات التي شهدها لبنان بدءاً بثمانينيات القرن الماضي والتقلبات الفلسطينية في السنوات الأخيرة. والملاحظ أن إيران كانت دائماً وأبداً ولاتزال عاملاً أساسياً في وضعية عدم الاستقرار هذه، والسبب أنها في السابق واللاحق في المرحلة الصفوية وقبلها وبعدها، وكما في عهد الشاه محمد رضا بهلوي كذلك في عهد الثورة الإسلامية، ترى أنها صاحبة حقٍّ في أن تكون قطب الرَّحى في هذه المنطقة، وأن تكون الرقم الرئيسي في معادلتها، وأن تكون شرطي الخليج وصاحبة قرار رئيسي إن سلماً وإن حرباً في صراع الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية. إن هذا ليس تجنياً، فإيران لا تنكر الآن، وهي لم تنكر في عهد الشاه أنها لا تقبل بأن تكون دولة كباقي دول الخليج الأخرى، والإيرانيون كانوا قد قالوا في السابق وهم يقولون الآن إن لهم ولدولتهم مجالاً حيوياً ليس في المنطقة الخليجية وحدها وإنما في الإقليم كله من المغرب العربي إلى وادي النيل، وحتى بلاد الشام والجزيرة العربية، وهذا شكَّل عاملاً رئيسياً من عوامل الصدام في هذه المنطقة وفي هذا الإقليم في زمن الحرب الباردة وبعد ذلك، وهو عامل الصدام الحالي، والمؤكد أنه سيؤدي إلى حربٍ جديدة ستكون أشد دماراً من الحروب السابقة إن لم يتم التفاهم على معادلة جديدة تكون عادلة ولو بالحد الأدنى وتكون في الوقت نفسه منصفة بالنسبة إلى الدول المعنية الصغيرة!.* كاتب وسياسي أردني