هل هذا هو المطلوب؟
بينما يعيش العـراق كل هذا الصخب الذي يعيشه، بين الرافضين للاتفاقية الأمنية مع الأميركيين والقابلين بها، فلنفترض جـدلاً ان الرئيسين الأميركيين (المنصرف) جورج بوش و«القادم» باراك أوباما أصيبا بلوثة عقلية وبادرا الى اتخاذ قرارٍ نزقٍ بسحب القوات الأميركية خلال أسبوعٍ أو أسبوعين على الأكثر، فما الذي سيحصل يا ترى في هذا البلد الذي يشبه مرجلا يغلي ما به فوق ألسنة نيران متأججة...؟!
المفترض ان يكون الجواب، لو ان واقع العراق هو هذا الواقع، هو ان ضابطاً مغامراً سيستغل الفراغ وسيبادر وعلى الفور الى التحرك بالقوة العسكرية التي يقودها نحو مبنى الإذاعة والتلفزيون ونحو المنطقة الخضراء، التي ستصبح غبراء بالتأكيد، وسيلقي القبض على كل وجهاء هذه المرحلة الانتقالية، وفي مقدمتهم جلال الطالباني ونوري المالكي ورئيس مجلس النواب ومعظم أعضاء هذا المجلس، ويسوقهم سوق النعاج الى ساحة مسجد أم الطبول لتكون نهايتهم كنهاية كل الذين ثقب الرصاص صدورهم، وفجر رؤوسهم في هذه الساحة على مدى كل الحقب السوداء التي مرَّ بها هذا البلد المبتلى دائماً، وآخرها الحقبة الأخيرة التي أفضت الى هذا الواقع المؤلم، لكن لأن هذا الاحتمال غير وارد ليس لعدم وجود جنرالات تراودهم مثل هذه الرغبة بل لأن التركيبة الحالية للجيش والأجهزة الأمنية وللبلد كله لا تؤهل أي مغامرٍ للإقدام على مثل هذه المغامرة فإن الحالة ستكون في أحسن الأحوال بعد ان يختلط الحابل بالنابل وفقاً للاحتمالات والتوقعات التالية: أولاً، ستتحول بغداد فوراً وخلال دقائق وليس ساعات الى ساحة مواجهة بين السنة والشيعة، والعنوان سيكون التطهير المذهبي على غرار ما ظل يحصل على مدى الأعوام الخمسة الماضية، إذ اتخذت حروب الطوائف طابع خندق الكاظمية مقابل خندق الأعظمية، وهذا سيمتد بسرعة الضوء الى كل المناطق المختلطة من «تلعْفر» في الشمال وحتى حيِّ العشار في البصرة. ثانياً، ستُعلَنْ إمارات كثيرة... إمارة جيش المهدي والتيار الصدري وإمارة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وإمارة حزب الفضيلة وإمارة عشائر «الصحوات» وإمارة«القاعدة» وإمارة المقاومة التي حصدت من رؤوس العراقيين الأبرياء، وفي عشرات المرات، أضعاف ما حصدته من رؤوس الأميركيين و«منْ لفَّ لفهم»! ثالثاً، سيعلن الأكراد دولتهم في الشمال وهذا ما سيفعله الأشوريون والكلدانيون والتركمان والشبك والفيليون والأزيديون، وستدور رحى معارك ضارية دامية في كركوك وفي غير كركوك وستندفع القوات التركية عبر نقاط الحدود في اتجاه عمق الأراضي العراقية وستبدأ هجرات جماعية شرقاً وغرباً وفي كل الاتجاهات، وعلى غرار ما يجري الآن في الكونغو الديمقراطية وما يجري في الصومال. رابعاً، سيغتنم «الأشقاء» الإيرانيون فرصة العمر التي بقوا ينتظرونها عقوداً طويلة وسيندفعون في اتجاه النجف الأشرف وكربلاء والكوفة... وأيضاً في اتجاه بغداد بحجة الحفاظ على الأماكن المقدسة وحماية مراقد الأئمة وستقوم دولة «بويهية» جديدة وستصبح المنطقة كلها مهددة بعودة أمجاد فارس القديمة... فهل هذا هو المطلوب؟!* كاتب وسياسي أردني