لست ضد قانون تجريم الفرعيات، بل أنا من المؤيدين له والمطالبين بتطبيقه، فالفرعيات التي تقوم على العرق والأصل بعيدا عن الأفكار والمبادئ، وتتجاهل المرأة في فرعياتها تجاهلا تاما، تأتي نتائجها دائما لمصلحة القبائل الأكثر عددا على حساب الأقليات في كل دائرة، سواء أكانت هذه الأقليات من أبناء القبائل الأخرى أم من الحضر أم غيرهم.

Ad

بالنهاية، لن يجد هؤلاء ممثلا حقيقيا لهم في مجلس الأمة، وذلك بسبب الأصوات «المتفرعة» لأبناء القبائل الأكبر في الدائرة، والتي ضمنت من خلال فرعياتها احتكار الدائرة لمقاعد نوابها، ولذلك، نشد على يد وزير الداخلية في حرصه على تطبيق هذا القانون، متمنين أن يشمل الجميع دون تفرقة أو محاباة لأحد، وألا يتم التركيز على فرعيات بعض القبائل وتجاهل أخرى.

أقول هذا الكلام، لا لعداء لي مع أحد، ولا من أجل مصلحة شخصية أبتغيها، إنما لإيماني التام بأهمية وضرورة احترام القانون والالتزام به من أجل مصلحة الجميع، ففي ذلك الأمن والأمان لكل المواطنين، وليس من مصلحة أحد أن يفقد القانون هيبته، وأن يتم تجاوزه وتجاهله باستمرار، لأن ذهاب هيبة القانون معناه ذهاب هيبة الصغير والكبير في هذا البلد، وانتشار للفوضى، وزعزعة للأمن والاستقرار في هذا الوطن.

لكنني، مع ذلك، أجد أن من الأمانة القول إن قانون تجريم الفرعيات ليس هو الحل الأمثل للقضاء على الفرعيات القبلية أو الحد منها، فالأسباب والأجواء التي صنعت هذه المشكلة على مدى عقود من الزمن وساهمت في استفحالها لا تزال موجودة، ومستمرة إلى ما شاء الله!

الفرعيات أيها السادة، ما هي إلا عرض من أعراض مرض مجتمعي تسببت فيه الممارسات الخاطئة للأجهزة الحكومية منذ أكثر من 30 عاما، حين تحولت الوزارات إلى مرتع لبعض نواب الخدمات الذين تأتمر بأمرهم، وتمشي حسب رغباتهم، وتلبي كل مطالبهم!

كل ذلك كان ولايزال يحدث تحت أنظار الحكومة وبرضاها التام، الأمر الذي يرفع أسهم هذه النوعية من النواب ويجعلها المطلب الأول للناخبين الذين لا يجدون وسيلة أخرى لتمرير معاملاتهم المستحقة في بعض الأحيان وغير المستحقة في كثير من الأحيان، ومن سيتصدى لأمر كهذا غير ابن العم الذي يعرفونه حق المعرفة، ويمونون عليه أشد الميانة!

إن أرادت الحكومة جادة القضاء على الفرعيات، فلتقض أولا على الوساطة النيابية المستشرية في معظم إداراتها، ولتعط كل مواطن مستحق حقه، دون أن يريق ماء وجهه ويتذلل أو يتزلف لنائب من نواب الخدمات الذين يتكسبون من وراء خدماتهم، حين يتحولون إلى نواب حكوميين يبصمون بالعشرة على ما تريد الحكومة تمريره من قوانين.

إن الناخب الملتحف بالقبيلة والملتصق بالطائفة، هو ناخب غير حر، مقيد بسلاسل الحاجة التي تمنعه من اختيار ممثليه بحرية تامة، وهو غير ملوم في كثير من الأحيان، فهاجس الخوف يسيطر عليه حين يخطر على باله أسوأ الاحتمالات، ويسأل نفسه ماذا لو أصيب طفل من أطفالي بمرض خطير، وأردت أن يتعالج في الخارج، من سيقف إلى جانبي وقتها؟! ومن سيكون المنقذ؟!

بالطبع... لا أحد سوى نائب القبيلة أو الطائفة، مع أنه لا حاجة في الأصل لمثل هذه الوساطات مادام هذا المريض مستحقا العلاج في الخارج، لكنها الحكومة- رعاها الله- هي التي تهيئ الأجواء المناسبة لبروز هذه النوعية من النواب الذين هم السبب الأول لوجود الفرعيات القبلية، ثم تأتي لتحاربها بكل ما أوتيت من قوة، وباسم القانون!

اقضوا على الواسطة في وزاراتكم، وسدوا الأبواب في وجوه نواب امتهنوا تخليص المعاملات، وأعطوا كل ذي حق حقه، وأنا أضمن لكم أن الناخبين لن يختاروا سوى المرشح الكفؤ القادر على الإنجاز، وسيتجاهلوا المرشح الذي جل مؤهلاته تخليص المعاملات، لأنهم لن يكونوا بحاجة إليها!

بهذا ترتاحون وتريحون، وتكفون الناس شر الفرعيات، والساعين إليها، والقائمين على أمرها، والمدافعين عنها!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء