خلال السنوات القليلة الماضية، ومنذ أن دخلت العلاقة بين السلطتين مرحلة التأزيم المزمن التي تنتهي عادة، إما باستقالة الحكومة أو حل المجلس، أصبحت الصحافة في نظر عدد من أعضاء السلطتين شريكاً فاعلاً في خلق حالات التأزيم تلك، عبر الإسهام في توتير علاقة الحكومة بالمجلس على حد وصفهم.

Ad

بالطبع هذه اتهامات ساذجة، لا يقبلها عقل، ولا يقرها منطق، بل إن ارتفاع وتيرة ترويجها خلال اليومين الماضيين من قبل بعض الأطراف الحكومية والنيابية، يأتي، إذا ما خاب ظني، في إطار التحركات المشبوهة لتقييد الحريات الصحافية وفرض مزيد من القيود عليها، حتى أنني بت لا أستبعد ذلك اليوم الذي تتهم فيه صحافتنا بأنها سبب «تعطيل التنمية».

يوجد انحراف في بعض الممارسات الصحافية، وهناك صحف وصحافيون لديهم أجندات سياسية خاصة، هذا وضع طبيعي في ديمقراطيات العالم كلها، أما أن يأتي مَنْ يتهم الصحافة الكويتية بأنها باتت عامل تأزيم ومعول هدم بين السلطتين، فهذا اتهام غير مقبول تفنّده جملة من الحقائق لصاحب كل بصر وبصيرة.

الصحافة لم تعطل بناء مستشفى أو تعرقل إقامة مدينة جامعية متكاملة، كما أن صاحبة الجلالة والعاملين في بلاطها ليسوا سبباً في تردي الخدمات في قطاعات الدولة كافة، ولا علاقة لهم باختيار وزير غير كفؤ، ولم يحتلوا مقاعد النواب في «قاعة عبدالله السالم» لينحدروا بلغة الخطاب إلى الدرك الأسفل.

هناك صحف طرحها نشاز... نعم. وهناك صحافيون وكُتّاب دخلاء على المهنة... هذا صحيح، لكن ذلك يجب ألا يخلق مبرراً لأطراف حكومية، وأخرى نيابية لإطلاق التهم جزافاً على الجسم الصحافي بالسعي إلى ضرب علاقة السلطتين، وهي- أي الأطراف- أول مَنْ استخدم الصحافة ذاتها لتمرير مصالحها وأجنداتها وأهدافها، تحت مسمى «مصدر حكومي مسؤول» أو «قطب برلماني كبير» خلال الفترة القصيرة الماضية.

إن حكومة تطيح بها صحيفة، لهي في واقع الأمر حكومة لا تستحق البقاء أساساً، كما أن مجلساً يحلّه خبر صحافي، من الأجدى ان يكون من «مجالس» برنامج البادية الشعري، لا مجلساً يمثل الأمة انتخبه 361 ألف كويتي وكويتية في يوم صيفي حار، كما أن علاقة برلمان وحكومة يهزها تحقيق صحافي هنا، أو افتتاحية هناك، هي في الأصل أوهن من بيت العنكبوت، وبالتالي طريق تأزيمها ليس بحاجة إلى أن يمر عبر بوابة الصحافة في ظل تعدد الأساليب والأسباب التي تؤدي في النهاية إلى نقطة «الأزمة».

قد يقول أحدهم، إن الصحافة في ديمقراطيات العالم المتقدمة أحياناً تطيح برأس الدولة وليس حكوماتها أو برلماناتها فقط. نعم هذه حقيقة، إلا أن الحالة الكويتية مختلفة تماماً، فتلك الدول لا يوجد لديها مصطلح «مصدر مسطول» أو «ثقب برلماني»... كما هو الحال لدينا.