المصائب لا تفرق بين الناس حسب اللبس أو الدين أو الجنسية وغيرها من السمات التي اخترنا هالتفرق بيننا كأفراد وأجناس وشعوب. بل على العكس هي دليل دامغ على حاجتنا إلى أن نتكاتف ونتعاون رغم الحدود والحواجز التقليدية.

Ad

يصادف اليوم 31 من أكتوبر يوم «الهالوين»... وهو احتفال إيرلندي الأصل بمناسبة انتهاء موسم الحصاد حيث تلتقي أرواح الأموات بالأحياء. وعادة ما يُحتفل بهذا اليوم بلبس الأزياء التنكرية المرعبة وتزيين المنازل بما يثير الخوف والرهبة لطرد تلك الأرواح.

وأجواء الكويت العامة شبيهة باحتفالات «الهالوين»؛ فمن رعب البورصة، إلى الذعر الذي تسببه خسائر الأفراد والمؤسسات، إلى حالة القلق والتأهب بين الحكومة والمجلس، مرورا بالتحذير من العواصف والأمطار «السودانية» القادمة.

ورغم هذا الجو «الهالويني» الأصيل، لم يجد النائب هايف المطيري ما يزعجه سوى لباس الشرطة النسائية ومدى تطابقه مع تعريفه «للضوابط الشرعية»- وهي الضوابط نفسها التي أدت إلى قرار اللجنة التشريعية في مجلس الأمة إلى التشكيك في قانونية توزير الحمود والصبيح! وهذه ليست فقط أمثلة على الأولويات المقلوبة والمنطق المعوج وإنما على عقلية هي الأكثر إفزاعا في هذه الظروف المرعبة.

فالأزمة الاقتصادية العارمة، التي لن تستثني الكويت- رغم التصريحات المطمئنة كلها ومحاولاتنا دفن رؤوسنا بشكل أعمق في التراب- جاءت لتؤكد أن المصائب لا تفرق بين الناس حسب اللبس أو الدين أو الجنسية وغيرها من السمات التي اخترنا هالتفرق بيننا كأفراد وأجناس وشعوب. بل على العكس هي دليل دامغ على حاجتنا إلى أن نتكاتف ونتعاون رغم الحدود والحواجز التقليدية. والمنطق نفسه ينطبق على التعامل مع المشاكل المحلية والكوارث الطبيعية!

فلم نسمع بعاصفة تقتل النساء وتترك الرجال، ولا بخسارة تصيب المؤسسات «المدنية» وتستثني الإسلامية منها، ولا بأزمة تضر بحقوق السافرات دون المحجبات. الأخطار التي تحدق بنا من كل صوب حقيقية وجسيمة وتحتاج إلى تكاتفنا وتآزرنا لنخرج منها بأقل الأضرار، أما إهدار الوقت والطاقة في قضايا جانبية وسطحية وخلافية فمن شأنه إضعاف الوحدة الوطنية التي نحن بأمس الحاجة إليها، كما أنه تبديد لموارد حيوية لا يمكن الاستغناء عنها.

منذ فترة غير بعيدة اختزل أحدهم التعقيدات كلها وراء الأزمة الاقتصادية العالمية في الربا والتعاملات غير الإسلامية، وتنبأ بسقوط الأنظمة السياسية كافة بما فيها إيران والسعودية لتعاملها مع الغرب واستثنى أفغانستان كونها الدولة الوحيدة «الإسلامية» حقا، متناسيا الاتفاقيات الأميركية الأفغانية وقيام أغلب «الأعمال الصغيرة» في أفغانستان على زراعة وتجارة المخدرات. وهذه العقلية الانتقائية والأحادية نفسها التي تشكل مواقف وتصريحات الكثير من أصحاب القرار من الساسة والنواب الذين يفترض بهم انتشال هذا الوطن من الهاوية... وهذا هو الرعب الحق!

لذا لا أفهم استنكار ثوابت الأمة قيام أحد المراكز التجارية باحتفال لـ«الهالوين» رغم أنهم وزعماءهم قلب الرعب في يومنا هذا.