قبل مدة قرأنا مقالاً للشاعر عباس بيضون بعنوان «كل في مقعده»، جاء في معرض تعليقه على تصريحات إذاعية للموسيقي زياد الرحباني طاول فيها الموسيقي التونسي أنور أبراهم، قال متصل «إن انور أبراهم يهودي»، لم يرد السائل أن يعرف دين أبراهم لكن زياد الرحباني أجاب هكذا: «إنه يهودي» ولم يزد.

Ad

يؤوّل بيضون الحادثة: «لعل زياد يحسب أن هذا يكفي للاحاطة بأنور أبراهم. إنه يهودي فحسب، وليس بعد اليهودية ما يستحق الذكر». يضيف «سنقول أن زياد لم يفكر بكل ذلك، ليس بالتأكيد معادياً منظماً للسامية بالطبع ولا متعصباً دينياً. سنقول أنه التقط هذه الاجابة من الشارع، من الدارج الشعبي، أنه قال من غير تفكير، ما قال... والأكثر ابتذالاً من الحكاية هو أن «انور أبراهم» الذي يمكن أن يلفظ أيضاً «أنور ابراهيم» ليس يهودياً، بل إنه مسلم حنيف».

مقالة عباس بيضون تستحق الثناء وهي تلقي الضوء على موضوع طالما شغل الرأي العام العالمي، وطالما كان حاضراً في النسيج الاجتماعي، لا أدري لماذا صفة اليهودي مثل شتيمة، هكذا الملاحظ منذ الطفولة، بالغ الجمهور في ترداد هذه الكلمة في كل الأوقات الى أن أصبحت مذمّة، فجامع المال يهودي والذي يحبه الغرب يهودي وكل المؤامرات في العالم تحاك من اليهود، وهذا الحاكم أتى به اليهود، اليهودي مثل شبح بالنسبة الى الرأي العام، والسؤال الدائم: هل العقل اليهودي خارق الى حد ليكون أخطبوطاً عالمياً؟

ليس أنور أبراهم يهودياً، فهو من أب مسلم وأم مسلمة، لكن اسمه جعل الرحباني والجمهور يقعون في فخ الشبح اليهودي، ولم ينتظر أبراهم كثيراً ليرد على ما جرى في إحدى الصحف اللبنانية التي كتبت في مقدمة مقالة إنه قرر «أن يرفع الالتباس»، والسؤال هنا: هل على أبراهم أن يرفع الالتباس أم زياد الرحباني؟ من الذي أطلق التصريحات، هل يشعر أبراهم بالذنب لأنه صاحب حضور في العالم؟

تتضمن مقالة أبراهم كلاما أخلاقياً كبيراً بين السطور، يقول (لزياد الرحباني): «لا أظنّ أن فنّاناًً تحيط به الهالة الأخلاقيّة التي نعرف، يقدم على الطعن في وطنيّة زملائه، ويعتبرني «عميلاً صهيونيّاً»، لمجرّد أن أسطواناتي الصادرة عن شركة ECM هي بين الأكثر مبيعاً في العالم ضمن فئة «الجاز»؟ وفي مكان آخر يضيف أبراهم: «ما زلت ميّالاً إلى الاعتقاد بأن زياد الرحباني غير مسؤول عن الكلام بحقّي، أو على الأقلّ لا يؤمن به في قرارة نفسه. إذ كيف يمكن لأحد رموز اليسار العربي العلماني أن ينزلق إلى فخّ اللاساميّة؟»

ليس على أنور أبراهم أن يستغرب تصريحات الرحباني الذي طالما كان ميالا الى التصريحات «الشعبوية»، من تابع قوله في برنامج «حوار العمر» على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال، أو لقاءاته في إذاعة «صوت الشعب» لا يستغرب عنه ما يقوله، فيوماً ما أيّد الفعائل الستالينية، في ذلك يبدو أشد فتكاً من اللاسامية.

زياد الرحباني الموسيقي بامتياز، تغرقه تصريحاته ضد الآخرين من غير سبب، هو «فتى الموسيقى المدلل» لا يستهوي أن ينافسه أحد في الموسيقى، الأرجح أن كل موسيقي يفكر على هذا النحو وإن لم يعلن ذلك. زياد الرحباني يبالغ في المزاجية واللعب والفتوة، خصوصاً أنه يقول إجابته من باب التحدي والرغبة في إحداث الصدمة.