الإصلاح السياسي... وليس الانقلاب على المؤسسات الدستورية
هناك رأيان سائدان في الساحة السياسية الكويتية يطالب كل منهما بإلغاء طرف من طرفي المعادلة الدستورية، إما الدستور وإما الحكومة، وهو أمر يعتبر انقلاباً على النظام الدستوري برمته. لذا يبرز رأي ثالث، يرى أن المشكلة لا تكمن في الحكومة والمجلس كمؤسسات دستورية لأن الأزمة السياسية ستتعمق في حالة إلغاء أي منهما، بل إن سبب الأزمة، هو في أساليب تشكيل كل منهما وآليات عملهما.
يتفق المتابعون للشأن العام جميعهم أننا نعيش في ظل أزمة سياسية مستمرة منذ سنوات، ولكنهم يختلفون حول أسباب هذه الأزمة وكيفية الخروج منها. فبعضهم يرى أن السبب في عدم استقرار الوضع السياسي هو وجود مجلس الأمة وبالتالي وجود الدستور، لذا فالحل، حسب وجهة نظرهم، هو التخلص من الدستور بعد الانقلاب عليه، وإنشاء أشكال غير دستورية لمجالس وأجهزة إدارية صورية على غرار سيىء الذكر المسمى المجلس الوطني. وهذا هو ما قد يفهم ضمناً من العريضة التي وقعها بعض أصحاب الدواوين «أصحابها فقط»، والتي يقرأ بين سطورها تأييد فكرة الانقلاب على الدستور. فهل، يا ترى، ستنتهي الأزمة السياسية لو قمنا بإلغاء المجلس كمؤسسة دستورية ؟ ألم نجرب ذلك مرتين من قبل وحصلت لنا جراء ذلك كوارث وطنية كبيرة؟ يكفى هنا أن نتذكر كارثتي المناخ والاحتلال العراقي اللتين حصلتا أثناء فترتي الانقلاب على النظام الديمقراطي.على الجانب الآخر، يرى بعضهم الآخر أن سبب الأزمة السياسية هو الحكومة، سواء من حيث آلية تشكيلتها التقليدية ونوعية اختيارها التي تجعلها غير متجانسة ويفتقد بعض أعضائها للحس السياسي، أو بغياب مشروعها السياسي الاستراتيجي التنموي مما يجعلها تحسب حساب أي مقال انتقادي أو «نغزة» صحافية هنا أو هناك، وتهاب الاستجوابات البرلمانية. يضاف إلى ذلك، أن الحكومة هي المسؤولة دستوريا عن رعاية المصالح العليا للدولة وعن رسم وتنفيذ السياسات العامة، كما أنها تمتلك المعلومات والبيانات التفصيلية ولديها الأجهزة الفنية والإدارية الضخمة، ولكنها رغم ذلك كله تفتقد إلى روح المبادرة وتكون دائماً في موقع المدافع غير الواثق من قراراته التي سرعان ما يتراجع عنها. بل إن ما زاد الطين بلة هذه المرة، بحسب هذا الرأي، أن الحكومة التي أبدت عدم إمكانية التعاون مع المجلس السابق عادت هي نفسها تقريبا لتواجه المجلس السابق نفسه الذي أعيد انتخاب أغلب أعضائه في الانتخابات الأخيرة. لذا، وحسب وجهة النظر هذه، فإن الحكومة هي المسؤولة عن الأزمة السياسية، ما قد يفهم منه، ضمناً أيضاً، أن المطلوب لإصلاح الوضع السياسي هو إلغاء الحكومة!! فهل نلغي الحكومة؟ وهل من الجائز دستورياً أن نقوم بذلك؟ نلاحظ أن كلاً من الرأيين السابقين يطالب بإلغاء طرف من طرفي المعادلة الدستورية، وهذا غير ممكن لأنه يعتبر انقلاباً على النظام الدستوري . لذا يبرز رأي ثالث، ملتزم بالدستور، يرى أن المشكلة لا تكمن في الحكومة والمجلس كمؤسسات دستورية لأن الأزمة السياسية ستتعمق في حالة إلغاء أي منهما، بل إن سبب الأزمة، هو في أساليب تشكيل كل منهما وآليات عملهما، فما لم تتغير المدخلات والمعطيات السياسية فسينتج لدينا المخرجات الحالية نفسها، إن لم تكن أكثر سوءاً، حتى لو أعيدت الانتخابات البرلمانية أو أعيد تشكيل الحكومة مئة مرة.لذلك فإن المطلوب الآن وبشكل لا يحتمل التأجيل، حسب الرأي الأخير الذي نتفق معه، هو الإصلاح السياسي وتجديد الحياة السياسية ضمن الثوابت الدستورية، لأن هذا هو السبيل الدستوري الوحيد للخروج من الأزمة السياسية الحالية.أما مَن لايزال يعتقد أن بإمكانه إعادة عقارب الساعة للوراء فهو واهم.