أين ذهبت أموالنا؟
لا شك أن مساعدة الناس وتفريج كربة المحتاج عمل إنساني ووطني راق، كما أن المحافظة على مؤسساتنا الاقتصادية الوطنية ودعمها واجب دستوري ووطني بشرط أن تذهب هذه المساعدة إلى المحتاج لها فعلا، ويكون الدعم لمن يستحقه بشكل قانوني وعادل وشفاف. فهل ينطبق هذا على ما قامت- أو ما ستقوم به- الحكومة من «ضخ» ما مقداره 8 مليارات دينار من المال العام في البورصة؟ لقد رفضت الحكومة رفضا قاطعا إسقاط القروض الشخصية والاستهلاكية عن المواطنين كافة، وكان معها الحق في ذلك باعتبار أن المقترض هو من قام بصفة شخصية وبمحض إرادته بعملية الاقتراض، ومن غير المعقول أن يتحمل المال العام تبعات التصرفات الفردية. كما رفضت الحكومة أيضا إسقاط أو جدولة فوائد القروض الشخصية والاستهلاكية أو حتى مجرد مراجعتها، مع أن المنطق يقول إن سياسة الإقراض التي توفرها البنوك التجارية لعملائها بحاجة دائمة إلى إعادة نظر لأنها تتعلق بالسياسات المصرفية والتسويقية التي تتبعها البنوك، ومدى فعالية رقابة البنك المركزي ومتابعته لتنفيذ السياسات المصرفية التي يقرها والتي تستهدف حماية عملاء هذه البنوك من التلاعب التجاري.
يضاف إلى ذلك أن البنوك التجارية هي مؤسسات مصرفية تهدف في النهاية إلى تحقيق الربح المادي وغير معنية بما يؤول إليه وضع المدين الاجتماعي، بل المهم لديها هو أن يستمر في عملية سداد القرض. رفضت الحكومة ذلك مع أن بعض المقترضين، اضطروا إلى القيام بعملية الاقتراض، ولم يستطيعوا الالتزام بالسداد بسبب ظروفهم المالية الصعبة من ناحية، وزيادة الفوائد التراكمية على القروض الشخصية والاستهلاكية من ناحية أخرى، الأمر الذي كان يتطلب من الحكومة مساعدتهم والتدخل لمصلحتهم، ولكنها رفضت حتى مجرد مناقشة الموضوع ولولا الرغبة السامية لصاحب السمو الأمير بإنشاء صندوق للمعسرين لانتهي الأمر بهؤلاء المعسرين إلى غياهب السجون. والآن بعد النكسة المالية التي تعرض لها سوق الأوراق المالية التي يمكن إرجاعها إلى أسباب كثيرة متشابكة، منها ما هو محلي، ومنها ما هو عالمي، فإننا نلاحظ تغيرا جذريا في السياسة الحكومية. في السابق كانت الحكومة تدافع عن عدم تحميل المال العام تبعات التصرفات الشخصية للأفراد، وهذا صحيح، ولكننا نجدها الآن تتدخل وبقوة من أجل حماية التصرفات الشخصية لمضاربي أو لنقل «مقامري» البورصة الذين يبحثون عن الربح السريع والمضمون بعكس المستثمر الحقيقي الذي يتخذ قراراته بعد دراسة دقيقة لأحوال السوق والمخاطر التي قد تعترضه، ويتهيأ نفسيا وماليا لتحمل ما قد تفرضه قوانين وآليات السوق من ربح أو خسارة. وبهذا، فإن الحكومة تتجاهل أن ما يسري على المضارب أو المقامر ينسحب على المقترض من ناحية أن كلا منهما اتخذ قراره الشخصي بإرادته الحرة، ولكن المضارب- وهنا الفرق- ليس بحاجة ضرورية وماسة إلى المغامرة في سوق أوراق مالية من سماته العامة التذبذب وعدم الاستقرار، بينما قد تكون الظروف الاجتماعية والمالية الصعبة لبعض المقترضين هي التي أجبرته على الاقتراض.لهذا فإننا نتساءل لعل هنالك من يستطيع أن يطمئننا بأن القرار الحكومي باستخدام أموالنا العامة لدعم مضاربي البورصة، لم يكن تدخلا لحماية تصرفات الأفراد الشخصية، وتساؤلاتنا هي ترى ما المقصود «بالاقتصاد الوطني» المحتاج إلى الدعم؟ هل هو كبرى شركات المضاربة أم البنوك التجارية أم الشركات الوهمية أم غير ذلك؟ ولماذا تتحمل الدولة خسائرها ولا تستفيد شيئا من أرباحها المليارية؟ وكم هو يا ترى عدد المتضررين الحقيقيين من انخفاض قيم الأسهم؟ وما هو بالضبط الضرر الذي أصابهم؟ هل هو نقص مؤقت في حجم ثرواتهم المتنامية أم هو عجز حقيقي عن سداد قيمة احتياجاتهم الضرورية؟ وكيف حصل لهم هذا الضرر؟ هل نتيجة لقراراتهم الشخصية الحرة في الدخول في مضاربات مالية خطرة أم أن ظروفهم المعيشية هي التي أرغمتهم على ذلك؟! هل هنالك فائدة استثمارية ستعود على المال العام؟ ثم ما هو ذنب من لم يضارب أو يقامر في سوق الأوراق المالية، هل سيمنح جزءا، ولو قليلا، من أرباح الشركات والبنوك «المتضررة» التي سيتم دعمها؟ ومن سيستفيد من «الصناديق» الحكومية، هل هي كبرى شركات المضاربات المالية أم صغار المستثمرين؟ وما هي الأسس التي تم بناء عليها ضخ الأموال العامة في سوق متذبذب لا تحكمه نظم ولا لوائح واضحة ويتعرض لخسائر منذ سنوات؟ أخيرا وليس آخراً، هل ما قامت به الحكومة يعتبر سياسة عامة للطوارئ لها نظم ولوائح وضوابط تتبعها الهيئة العامة للاستثمار وقت الأزمات والمخاطر المالية أم أنه مجرد تصرف آني وقرار مؤقت تم اتخاذه لمصلحة أطراف معينة؟