اشتهرت رواية «يوليسيس» للكاتب الايرلندي «جيمس جويس» بكونها أكثر الأعمال الأدبية صعوبة وتعقيداً، إذ إن مؤلفها احتاج إلى تسويد ألف صفحة من أجل أن يرصد جولة بطلها «ليوبولد بلوم» في مدينة «دبلن» خلال أربع وعشرين ساعة فقط، بتقنية غريبة تخلو من الحبكة الروائية أو الإثارة والتشويق، لكنها، في الوقت ذاته، تكتظ بعناصر من حقول الإبداع الأخرى كالمسرح والغناء والشعر والوعظ الديني وفن التحرير الصحافي والتأمل الفلسفي، إضافة إلى المحاكاة الأسطورية بالإحالة على «أوديسة» هوميروس.

Ad

وهي منذ صدورها في عشرينيات القرن الماضي، ظلت تمتاز، في آن معاً، بالصعود عاليا في مراقي الشهرة، وبالهبوط الحثيث في عدد قرائها، وبالندرة الشديدة في عدد القراء الذين زعموا أنهم فهموها!

وقبل أربعة أعوام، وبالتحديد في الذكرى المئة ليوم 16 يونيو 1904 الذي تمت فيه جولة بطل الرواية في مدينة دبلن، نشر «نيل سميث» في موقع هيئة الإذاعة البريطانية على الإنترنت، تلخيصاً شديدا جدا لتلك الرواية، اختزل فيه صفحاتها الألف في صفحة واحدة أو أكثر قليلاً، زاعما بسخرية حادة أن ذلك الملخص هو الدليل المرشد إلى فهم «يوليسيس».

وفي ما يلي زبدة الفصول الثمانية عشر التي ضمتها الرواية:

الفصول الثلاثة الأولى: تلك الفصول تقدم شخصية مألوفة للقارئ، هي شخصية «ستيفن ميدلاس» التي ظهرت من قبل في رواية جويس المبكرة «صورة الفنان في شبابه» ففي صباح اليوم السادس عشر من يونيو 1904، غادر ستيفن برج المراقبة المهجور الذي يتشارك في سكناه مع البدين «ماليغان»، مقسما على ألا يعود إليه أبدا، وبعد ممارسة التدريس في مدرسة قريبة، يتحدث مع مدرس عجوز يعطيه رسالة ليوصلها إلى مكاتب جريدة في دبلن، ثم انه يمضي في جولة طويلة على الشاطئ، الأمر الذي يمنحه وقتا للتفكير في مطامحه الأدبية، وفي أمه الميتة.

الفصلان الرابع والخامس: مروِّج الإعلانات اليهودي الأصل «ليوبولد بلوم» يخرج لشراء «كبدة»، ويعود إلى البيت ليتناولها على الإفطار، ثم يذهب إلى المرحاض، بينما زوجته الخائنة «موللي» تتطرح في الطابق العلوي منتظرة مغادرته حتى تستطيع استقبال عشيقها.

الفصل السادس: يشهد «بلوم» جنازة في مقبرة، لكن مواجهته الرمزية هذه مع حقيقة الموت تعكس في مرآة ذهنه صورة الانتقال إلى الجحيم في «أوديسة» هوميروس «إنه حقا برميل ممتلئ بالمضحكات»!

الفصل السابع: عنوان عريض: «لقاء على غير اتفاق قريبا عند محل بيع الصحف»... بلوم وستيفن يكادان يلتقيان بالمصادفة في فصل متبَّل بأسلوب العناوين الكبرى لصحف «التابلويد».

الفصلان الثامن والتاسع: إنه وقت الغداء... يتوقف «بلوم» لدى «حانة مورال» من أجل تناول شطيرة جبن إيطالي واحتساء قدح من الخمر، ثم يذهب بعد ذلك إلى المكتبة الوطنية، حيث يسترق السمع هناك إلى «ستيفن» وهو يتحدث عن شكسبير.

الفصل العاشر: الكثير من الحوادث العرضية والكثير من الشخصيات تتلاقى كلها خلال موكب فخم ممتد من أحد جوانب المدينة إلى جانبها الآخر.

الفصل الحادي عشر: في هذا الفصل الممتلئ تماما بأغنية، يشير جويس من بعيد إلى «السيرانات» تلك الكائنات الأسطورية الميتة في «أوديسة» هوميروس، وفيه أيضا يتجنب «بلوم» بصعوبة ملاقاة عشيق زوجته موللي... متعهد الحفلات الموسيقية «بلازيس بويلان».

الفصلان الثاني عشر والثالث عشر: عند حلول المساء يشاهد «بلوم» على الشاطئ امرأتين شابتين، ثم يمضي لامتطاء خيالاته الجنسية، في فصل مكتوب بالأسلوب الرومانسي المنمق للروايات الرخيصة.

الفصل الرابع عشر: ستيفن وبلوم يلتقيان أخيرا في مستشفى للولادة، في فصل يقوم بناؤه، في وقت واحد، على تصوير الشهور التسعة للحمل، وعلى تصوير اللغة الإنكليزية. «ومع ذلك... يقولون إن هذا الكتاب عسير الهضم!».

الفصل الخامس عشر: عنوان عريض: «أم ستيفن الميتة» ليس ثمة مزاح في الأمر، هناك هراء كثير، يستغرق أكثر من مئة صفحة، مكتوب كله بطريقة النص المسرحي، لكن كل ما تحتاج إلى معرفته هو أن «بلوم» تبع «ستيفن» إلى المبغى، حيث مارسا هناك الكثير من الهلوسات والنزوات الشاذة.

الفصل السادس عشر: بلوم المكتئب يصطحب ستيفن إلى مظلة سائق عربة أجرة، حيث يصغيان إلى حديث غير مترابط يلقيه بحار موشوم.

الفصل السابع عشر: سؤال: ماذا يحدث بعد ذلك؟ جواب: بلوم وستيفن يسيران عائدين إلى اكسل ستريت، ويعرض بلوم على ستيفن أن يقضي ليلته في بيته، لكن ستيفن يرفض ويغادر، وعندئذ يذهب بلوم لينام، وهذا الفصل مكتوب على شكل سؤال وجواب كما في كتب التعاليم الدينية، وهناك تقرير يقول إنه الفصل المفضل لدى جويس!

الفصل الثامن عشر: نعم موللي بلوم تجلس مستيقظة على السرير نعم وتتذكر شبابها في جبل طارق نعم وشركاءها الكثيرين في الفراش نعم في مجرى شعوري واحد لا ينقطع نعم وتستعيد ذكرى ذلك اليوم الذي سلمت فيه نفسها لبلوم بينما كانا يتناولان كعكة ضخمة نعم.

هذا الفصل الأخير الواقع في خمسة وثلاثين صفحة يتألف من سبع جمل فقط، وهي جمل طويلة جدا بلا فواصل عدا تكرار كلمة «نعم» خلالها بصورة تشبه الهلوسة، حيث تنتهي بالكلمات التالية: ونعم أنا قلت نعم أنا سوف نعم!

إن جمل هذا الفصل تعد الأطول في تاريخ الأدب الإنكليزي، إذ إنها احتوت على أربعة آلاف وثلاثمئة وإحدى وتسعين كلمة!

وقد حظى هذا التلخيص بعد نشره بتعليقات مئة وستين قارئا، كانت نسبة المعجبين بالرواية منهم قليلة، أما الاغلبية فقد وقفت صراحة ضدها، والملاحظ أن المبالغة كانت طابع التعليقات على الجانبين، فبعض المستائين من «يوليسيس» أظهر قدرا كبيرا من السخرية، بينما اظهر المناصرون صورا من التبجح والادعاء والتعالي، لكن إذا كانت سخرية الطائفة الأولى مفهومة وإن لم تكن مقبولة تماما، فإن بعض مقترحات الطائفة الثانية بدا سخيفا ومضحكا للغاية، فقد أشار «مالكولم مارتن»، مثلا، إلى أن القارئ لا يتعامل مع «يوليسيس» باعتبارها رواية، بل باعتبارها نصا نثريا يقرأ على علّاته في حين ذهب (جي. سميث) إلى أن الطريقة المثلى للاستمتاع بالرواية هي أن يقرأها المرء بصوت مرتفع جدا، كما يفضل أن يتلفظ العبارات باللكنة الايرلندية!

وقال «كريستوفر دينت»: إننا لو تتبعنا خطّ سير «بلوم» خلال جولته في دبلن لوجدنا هذا الخط يصنع علامة استفهام (؟)، بينما قال آخر إن المهم في جولة بلوم هو انها ترسم لنا خارطة دبلن في بداية القرن العشرين. وأغرب ما في هذه الملاحظة هو أنها تجرد جويس من صفته الأصلية كروائي، لتوظفه رساما للخرائط في دائرة البلدية!

أما على الجانب الآخر، فقد علق «بول بيرنز» قائلا: إن رواية «يوليسيس» مجرد كلام فارغ طنان، وهي قد اصبحت من الكلاسيكيات بسبب هذا الطنين. وعلى هذا يمكنك القول إنها «مافيا عقلية».

وقال «ديفيد موسلي»: إنني لم أجد فيها أصالة ولا طرافة، لكنني لا أزال معجبا بالوصف الموجز الذي قدمه أحدهم ليوليسيس بقوله: «رجل ذهب في جولة في أنحاء دبلن، ولم يحدث شيء)!

وعلق «فيليب ونتر» قائلا: ببساطة، إنك لن تتعدى الصفحة العاشرة من الرواية من دون أن تعود إلى البداية لتشرع في القراءة من جديد. إنها خير دواء للأرق، طبعا إذا لم تكن هناك مباراة للمنتخب الألماني!

ومن لوكسمبرغ كتب «هيل»: النسخة لدي تقول إن جويس أمضى عشرة أعوام في كتابة «يوليسيس»، ومن وجهة نظري أنه كان يمكن أن يكتبها في عشر دقائق، بعد حفلة سكر صاخبة.

وقال «تيم لويس»: لم أسمع بهذا الكتاب من قبل، والآن، بعد أن قرأت ملخصه هنا أصبحت أقل رغبة في قراءته مما كنت عندما لم أكن قد سمعت به!

أما تلخيص «كيني ميلر» للرواية فكان كالتالي: «رجل يقابل امرأة، امرأة تقابل رجلاً آخر، رجل يقابل رجلا آخر، امرأة تصاب بشعور بالذنب. «تمت»)!

وعلق «ديف ووشر» قائلا: «يوليسيس» كتاب رائع، يمكن الاستفادة منه بطريقتين: بوضعه كثقالة فوق الورق، أو بوضعه كمسند تحت أرجل الطاولة المتقلقلة!

وقال «بيل باشام»: لقد أوصتني إحدى الصديقات، مرة بأن علي أن أقرأ «يوليسيس»، وقد حاولت ذلك، لكنني بعد تلك المحاولة هجرتها، (وهو يعني أنه هجر صديقته التي كانت السبب في عذابه لمجرّد المحاولة)!

وبإيجاز شديد كتبت «غريتا ماكنزي» من ميامي بأميركا: لقد كنت سعيدة جدا، لأن مدرسة اللغة الإنكليزية كانت قد شبهت كتابة ابني بكتابة جيمس جويس، أما الآن فإنني قلقة جداً!

وليس لنا إلا ان نقول للسيدة ماكنزي: دعي القلق وابدأي الحياة، كما ينصح دايل كارنيغي في كتابه المشهور، فإن الأقدار قد وضعت في أحضانك مشروع شهرة مؤكدة!

* شاعر عراقي

تنشر بالاتفاق مع جريدة الراية القطرية