شعب فقد ذاكرته!

نشر في 21-01-2009
آخر تحديث 21-01-2009 | 00:00
 حمد نايف العنزي لا أدري عزيزي القارئ، إن كنت ممن يغيّرون آراءهم ونظرتهم إلى الآخرين بسهولة ويسر، أم أنك ممن يصرون على عدم تغييرها مهما شاهدوا من تبدّل وتغيّر- ظاهري وطارئ- على سلوك وتصرفات الآخرين تجاههم؟

الحق أنني لن ألومك إن كنت من الصنف الثاني، فأكثر الناس لا يبدّلون آراءهم في الآخرين بسهولة، فالأعوج سوف يظل أعوج في نظرهم مهما طرأ عليه من تبدّل في الشخصية، نعم، قد يجاملونه بكلام طيب ويثنون على سيرته الجديدة، لكن شعوراً داخلياً يظل دائما يذكّرهم بالحذر منه وعدم الثقة فيه!

فعلى الأرجح- حسب ظنهم- أنه سيعود يوماً ما إلى طبيعته التي طبع عليها، ولذلك، فمن الخير لهم ألا يمنحوه ثقتهم، وألا يقتربوا منه أو يتعاملوا معه إلا مرغمين وفي أضيق الحدود، هذا الشعور الممتلئ بالتوجس والخيفة قد يستمر معهم إلى الأبد، مهما حاولوا وبذلوا من جهد للسيطرة على مشاعرهم تجاهه!

كبشر عقلانيين، يبدو سلوكنا هذا طبيعيا إلى حد بعيد، فالأحكام والمشاعر والأفكار التي نخضع لها، يبدو أنه من الصعب أو المستحيل التنازل عنها أو القبول بغيرها، فضلاً عن تغييرها تماما، ولنا عذر معقول في اتخاذ هذا الموقف، فمواقفنا المتشددة والمتعصبة والمتشككة تجاه شخص أو فئة ما من الناس، لا تنبع في العادة من فراغ، بل تأتي كنتيجة منطقية لتجارب مريرة عشناها، أو صدمات عانيناها، أو كوارث حلت بنا كأفراد أو شعوب!

ولذلك، من الطبيعي جداً ألا يتحول في داخلنا الشرير إلى طيب بين ليلة وضحاها لمجرد أنه سلم علينا، أو يصبح النذل شهما لمجرد أنه ابتسم في وجوهنا، أو يتحول الخسيس إلى محترم لمجرد أنه قد اعتذر منا، أو يتبدل الخائن إلى مخلص، أو الوقح إلى مهذب، أو الظالم إلى عادل، أو الكاذب إلى صادق، أو المتعصب إلى متسامح، هكذا فجأة في لحظات، وبكل يسر وسهولة!

قلت إن عدم قبولنا هذه التغيرات الفجائية شعور طبيعي ومنطقي إلى حد كبير، لكن، لو حدث العكس، وقبلنا بهذه التبدلات الفجائية بسرعة ودون تفكير أو تفكر، وتجاهلنا خبراتنا وتجاربنا السابقة، فإن هذا يعني أمراً من أمرين: إما أننا كنا متسرعين وغير منصفين من الأساس في أحكامنا السابقة على أولئك البشر، وإما أننا قد أصبنا بمرض فقدان الذاكرة، فما عدنا نميز بين من يصدقنا القول ومن يكذب علينا، بين من يحبنا ومن يكرهنا، بين من يثني علينا ومن يشتمنا!

واليوم، حين أسمع من بعض السفهاء من بني وطني من يترحم على المقبور صدام ويرى فيه رمزاً للشجاعة والكرامة العربية، ويحلف بالله أنه قد رأى صورته يوم موته تنطبع على وجه القمر!

حين أرى منهم من يبكي ويولول ويذرف الدموع تلو الدموع على من رقصوا يوماً على جراحنا وآلامنا، وهللوا وفرحوا لما أصابنا، ودعوا بطول العمر والبقاء لمن اغتصب أرضنا، وقادوا حملة التشويه الإعلامي لقضيتنا في كل مكان، وكانوا ولايزالون يشبعوننا شتائم وأدعية ليل نهار في منتدياتهم ومجالسهم الخاصة والعامة!

حين أرى هذا كله، أدرك تماماً، بأننا شعب قد فقد ذاكرته تماما، ونسي سريعا ما صنع له الأصدقاء، فراح بكل حماس يلعنهم ويشتمهم ويحرق أعلامهم، كما نسي في نفس الوقت، ما صنع له بعض بني أمته ممن ناصبوه، ومازالوا، الكراهية والعداء، وهو يهبّ لنجدتهم ونصرتهم والدفاع عنهم!

إن شعبا لا يتذكر، أو يتعظ، أو يأخذ العبر مما جرى له في الأمس، فلا شك سيلقى ويلاً ينتظره في الغد!

back to top