الفتاوى السعودية بأربعة مذاهب
أول العمود: هل تعرفون شيئاً عن مهرجان هلا فبراير؟ أين عنوانه؟***
حظيت المؤسسات الدينية، من بين جملة الإصلاحات التي اتخذها خادم الحرمين الشريفين أخيرا، بنصيب الأسد من التغيير، وهي المؤسسات التي طالما شكلت المزاج العام للحركة الاجتماعية والسياسية في المملكة العربية السعودية. وبطبيعة الحال لم تكن ظروف المؤسسات الثلاث الأساسية التي تصوغ الذهنية الدينية للشعب السعودي، وهي هيئة الأمر بالمعروف، ومجلس القضاء الأعلى، وهيئة كبار العلماء، لم تكن ظروفها مواتية للمستجدات العالمية المتلاحقة التي باتت تؤثر على نظام وشعب المملكة. وتأمل القيادة السعودية من وراء هذه الخطوات المهمة، التي تأتي بعد تدشين مؤسسة مجلس البيعة لاختيار ولي العهد وتكوين مجلس مؤقت للحكم في حالة عجز الملك وولي العهد أو الوفاة وذلك قبل حوالي ثلاث سنوات.في الحقيقة كان ولايزال موضوع الإفتاء الديني المحرك الأساسي لكثير من خطوات النظام السعودي حتى المدني منها كما سنعرض لاحقاً، واليوم وبعد توسيع قاعدة المذاهب السنية التي يتشكل منها الطاقم الجديد في هيئة كبار العلماء مع ذراعها البحثي والعلمي الشرعي المسمى باللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بات من المتوقع أن تغييرا سيطرأ على لون وطابع الفتاوى الدينية. ومن غير الإنصاف نعت الهيئة بالجمود والتصلب طوال فترة تكوينها الذي بدأ في العام 1971، فهناك الكثير من الآراء التي ساعدت النظام السياسي في حركته خاصة في مسألة نبذ الإرهاب التي تولدت بعد حادث 11 سبتمبر، أو في النظرة إلى المرأة من خلال فتوى الشيخ عبدالله المنيع- أحد أعضاء الهيئة- بضرورة دخول المرأة في عضوية هيئة كبار العلماء على أساس تماثل الجنسين في التكليف الشرعي، إلا أن هذه التحولات لم تكن بالزخم الذي كان يريده النظام في تعامله مع الداخل والخارج.التغيير الذي حدث منذ بضعة أيام يعتير دراماتيكيا بمقاييس عدة، فالفتاوى منذ الآن ستكون معبرة عن آراء المذاهب السنية الأربعة، ولن تكون حكراً على المذهب الحنبلي وحده، كما أن التغيير في الشخوص طال من يعبرون عن خط التشدد الذي دفعت المملكة أكلافه في كثير من الأحيان اجتماعيا وسياسيا وإقليميا. وكلنا يتذكر مأساة الانخراط في مجاميع «الجهاد» داخل وخارج المملكة، وهي لم تتحرك على الأرض إلا بوقود الفتاوى، ونعتقد أن جهد خادم الحرمين الشريفين الأخير هو بمنزلة الدواء الناجع لهذه الحالة.تنوع مصادر الإفتاء في حد ذاته ديمقراطية وتداول للرأي، وهو رخصة سيتمتع بها ليس أبناء المملكة فحسب، بل شعوب المنطقة بحسب تأثير وثقل المملكة. وعلى ذكر التشدد في فتاوى الأمور الحياتية نذكر هنا الخلاف الذي دار في سنوات مضت بين أعضاء هيئة العلماء على موضوع توسعة مسعى الصفا والمروة، فبعضهم قال إن إجراء تغيير إنشائي في هذا المشعر يعد فتنة، وآخر قال إن من يقوم بالسعي في التوسعة عليه دم! وهناك الفتاوى المتشددة الأخرى التي طالت الكتّاب السعوديين الذين ينتقدون آراء العلماء إلى حد المطالبة بتطبيق عقوبة الجلد والسجن عليهم، وكذا فتوى قتل أصحاب الفضائيات، ووصف من يلبس الدبل في ليلة العرس بالجهالة والتشبه بالكفار لأنه يعد من قبيل البدع، وتفضيل صوت الجرس على النغمات في الهواتف الجوالة... وغيرها من الأمور التفصيلية. وهناك بالطبع مسائل شائكة لم تصل المؤسسة الدينية إلى حل شرعي-اجتماعي توافقي حولها، ومنها تحديداً وضع المرأة السعودية في المجتمع، والنظرة للإنتاج الأدبي والتلفزيوني والسينمائي والحياة الترفيهية على وجه العموم، وربما جاءت خطوة تعيين امرأة في منصب رفيع في هيكل وزارة التربية والتعليم إشارة ذات مغزى.وأخيرا فإن التغييرات التي طالت المؤسسات الدينية والقضائية الأربع سيكون لها أثر اجتماعي وسياسي إيجابي داخل المملكة والمنطقة المحيطة بها.