ثبت من خلال إدارة الحكومة لملف العلاج في الخارج أن الحاجة باتت ضرورية إلى إعادة النظر فيه من زوايا استراتيجية، وتحويل جزء من مصروفاته تدريجيا لتخدم شعار «العلاج في الداخل».
يشكل موضوع العلاج في الخارج صداعاً مستمراً لوزارة الصحة، بسبب استغلال هذا الملف سياسياً في أوقات الانتخابات النيابية، أو في أوقات اعتيادية يُجيَّر من خلاله قرار الابتعاث لصفقات أو ترضيات. وخلّف -ولا يزال- هذا الموضوع تركة مالية وادارية ثقيلة عبر سنوات مضت، فمنذ كانت جهات الابتعاث الثلاث تتصرف منفردة (وزارات الصحة، والداخلية، والدفاع) ووصولا الى الوضع الحالي، وبعد صدور القرار الوزاري رقم 68 لسنة 2008 الخاص بلائحة العلاج بالخارج، والذي وحد جهة الابتعاث للعلاج في الخارج، وحصرها في وزارة الصحة، فإن أي تقدم يذكر لم يطرأ على تنفيذه في مجال احكام السيطرة على التجاوزات التي وصلت الى النيابة العامة وديوان المحاسبة للتحقيق فيها.مشاكل العلاج في الخارجويمكن النظر الى مشاكل العلاج في الخارج من عدة زوايا مهمة وهي:اولا: الحاجة الى مراجعة السياسات الخاصة بالابتعاث مقارنة بالتطور الطبي الحاصل في مستشفيات الكويت مع تطور الزمن - وإن كان ذلك عرضة للنقد المستمر - اذ يجب النظر الى ان التطور الطبي الحاصل قبل عشرين سنة يختلف عما وصلت اليه الوزارة في يومنا هذا، الأمر الذي يتطلب مراجعة مستمرة لحالات الابتعاث والنظر في الحالات التي لها علاج داخل الكويت.ثانيا: مقارنة التكاليف المالية الباهظة بالمردود على الصحة العامة داخل الكويت. بمعنى النظر في امكانية استغلال ملايين الدنانير التي تصرف سنويا على العلاج في الخارج، وتوجيه جزء منها لتطوير الخدمات الطبيعية محليا ضمن خطة زمنية لتخدم تدريجيا شعار «العلاج في الداخل».ثالثا: دراسة امكانية التعامل مع المستشفيات الخاصة القائمة حالياً، وتوجيه التمويل الحكومي للصرف على المرضى الى مستشفيات القطاع الخاص داخل الكويت، وهو خيار ذو فائدة مادية واجتماعية، إذ يستفيد القطاع الخاص من حركة تدوير الأموال، ويوفر على الأسر اعباء الاغتراب من جراء مرافقة المرضى في الخارج.رابعا: فتح المجال للاستثمار الاجنبي في المجال الطبي داخل الكويت، مع ربط هذه الخطة بنظام تأمين طبي على المواطن والمقيم للوصول الى تحييد نسبي كبير لفكرة الابتعاث للخارج.خامسا: احكام السيطرة على سياسة العلاج في الخارج عبر وضع القرار في يد الهيئة الطبية وبعيداً عن تدخل اي طرف اداري آخر، بحيث يكون قرار الابتعاث مهنيا بحتا لحالات مستعصية.محاولات وحلوللقد حاولت وزارة الصحة منذ الحملة الانتخابية التي جرت عام 2006 بعد حل المجلس المضي قدماً نحو ضبط عمليات العلاج في الخارج، وحاولت عبر قرارات وزارية متعددة فرض السيطرة على التلاعب الذي ساعدت الحكومة عليه، واستغلته سياسيا من اجل التأثير في العملية الانتخابية، إلا ان هذه الجهود، وعلى الرغم من تأثيرها جزئيا على سياسات الابتعاث فإنها تبقى جهودا ناقصة ولا تعالج الخلل الخاص بهذا الملف، فنحن نتحدث اليوم عن آخر انجازات الوزارة الادارية بهذا الشأن وتحديداً القرار رقم 68 لسنة 2008 الخاص بلائحة العلاج في الخارج التي تتضمن 12 بنداً رئيساً، ويتفرع من كل بند عدد من الشروط والاجراءات التي تنوي الوزارة من وراء اقرارها احكام عمليات الابتعاث الى الخارج، فالفقرة رقم (15) من البند الحادي عشر من اللائحة لا تزال تفرض على اللجنة العليا للعلاج في الخارج ضرورة النظر في حالات محددة صدرت فيها قرارات من مجلس الوزراء، وهي تحديدا القرارات رقم 790 لسنة 2006، 397 لسنة 2007 كحالات امراض القلب والسرطان والاطفال والحوادث، رغم ان الجهاز الطبي هو المسؤول في النهاية عن تحديد قرار الابتعاث من عدمه ان كنا نتحدث عن المهنية وعدم التحيز.كما ان الفقرة 13 من البند الحادي عشر قد تفتح نافدة للضغط على اللجنة العليا لقبول حالات غير حرجة ومن دون الرجوع الى اللجان الطبية المتخصصة كما تنص عليه الفقرة (12) من البند الحادي عشر، ومن دون الدخول في تفاصيل دقيقة فإن دعم اللجنة العليا للعلاج في الخارج واعتبار قراراتها نهائية بوصفها لجنة طبية ومهنية وغير متحيزة سيكون اول الطريق لاصلاح هذا الملف الذي يستنزف سنويا ملايين الدنانير من ميزانية وزارة الصحة والدولة في نهاية الامر.هدر الملايينتشكل المبالغ المخصصة للعلاج في الخارج بحسب ميزانية الوزارة للسنة المالية 2007-2008 ما قيمته 40 مليون دينار وقد كشف استجواب وزير الصحة السابق الشيخ احمد العبدالله، الذي تم في عام 2006 ان تكاليف العلاج الخارجي للاعوام الاربعة التي سبقت عام الاستجواب بلغت حوالي 430 مليون دينار. وكشفت اجابة للوزير الحالي على احد الاسئلة النيابية حول اعداد المبتعثين للعلاج في الخارج تزايد حالات المرضى سنة تلو الاخرى (عام 2003 - 493 مريضا)، (2004 - 579 مريضا)، (2005 - 691 مريضا)، (2006 - 5810 مرضى)، (2007 - 4197 مريضا). وبرر الوزير زيادة الاعداد الملحوظة لاعوام 2006 و2007 بعد توحيد جهة الابتعاث للجهات الخاصة بوزارتي الداخلية والدفاع لتصب جميعا في قناة وزارة الصحة، بموجب القرار الخاص بذلك، والذي يحمل رقم 885/2005 وبمقارنات بسيطة يتضح ان موضوع الصرف المالي الذي يطاله الهدر الكبير يجب إعادة النظر فيه بشكل سريع نتيجة قلة الجدوى.مقارناتفتكلفة مشروع مستشفى جابر الأحمد بمنطقة جنوب السرة يبلغ 50.384.000 مليون دينار كويتي، وهو ما يعادل نصف المبلغ المصروف على العلاج في الخارج للعام المالي 2004-2005 (102.922.000) مليون دينار، وذلك على سبيل المثال. بل ان تكلفة مشروع تطوير وتنمية جزيرة فيلكا، والذي ستقوم به وزارة الاشغال بحسب اعتمادات ميزانية 2008-2009، ستكون بحدود 120 مليون، وهي اكثر مما صرف على العلاج في الخارج في عام 2001 بـ18 مليون دينار فقط! ومن المعروف ان اخر مستشفى تم تشييده في الكويت كان عام 1984 وحينها كان تعداد السكان مليونا و400 الف نسمة، في حين بلغ التعداد عام 2005 مليونين و900 الف نسمة، اي بنسبة زيادة تقدر بـ 106% من دون اي تشييد لمرفق طبي جديد، هذا وتقدر مصادر الوزارة ان تكلفة بناء المستشفيات والانشاءات الطبية للاعوام من 2006 حتى 2016 يتطلب مليار دينار.بدلات أعضاء اللجنة العليايتقاضى اعضاء اللجنة العليا للعلاج في الخارج بدلا ماليا يقدر بـ400 دينار شهريا، بالاضافة الى 25 دينارا عن كل اجتماع تعقده، بحيث لا يزيد المبلغ الاجمالي لمجموع الاجتماعات عن 150 دينارا.مخالفات بالجملةكشفت لجان التحقيق في وزارة الصحة، وما احيل من تقارير الى النيابة العامة ونتائج تحقيق ديوان المحاسبة في ملف العلاج في الخارج، عددا من المخالفات المتكررة في هذا الشأن، يمكن تلخيصها في ما يلي:- ازدواجية الفواتير.- تمديد فترات العلاج لغير المستحقين.- صرف مخصصات مالية لاشخاص غير موجودين في بلد العلاج.- ترحيل مديونيات بعض المستشفيات في بلدان العلاج الى سنوات مالية لاحقة نتيجة السحب على المكشوف الذي تم بسبب عدم توافر الموارد المالية للسنة المالية ذاتها.- ارسال حالات لا تستدعي العلاج في الخارج.- زيادة اعداد المرافقين.- ارسال حالات ميئوس منها إلى الخارج.- تأخير صرف مطالبات المؤسسات الصحية في الخارج، مما أثر على سمعة دولة الكويت في الخارج من خلال رفع دعاوى ضد سفاراتها لاسترداد تلك المطالبات.- عدم قدرة المكاتب الصحية على برمجة احتياجاتها من التدفقات المالية لمواجهة تكاليف العلاج.- ارسال حالات لمعالجة مرض معين، ويتم بعدها اضافة علاج لأمراض أخرى.سياحةتمكن 1300 مريض من البقاء في بلدان العلاج بعد انتهاء فترة علاجهم وذلك في عام 2006.تبذيرفي عام 2006 بلغ عدد المرافقين للمرضى 700 شخص، تكلفت مخصصاتهم الشهرية 3 ملايين يورو.
قضايا
العلاج في... الداخل ! تكاليف العلاج الخارجي لعام واحد تفوق تكلفة بناء مستشفى جابر!
21-11-2008