أين هي الزلازل المدمرة؟!
هناك مثل يقول: «إن الذي يده في الماء ليس كالذي يده في النار»، فالأخ خالد مشعل المقيم في دمشق على الرحب والسعة ورغد العيش ظهر على شاشة إحدى الفضائيات العربية، بعد سبعة أيام من بداية هذه الحرب المجرمة المدمرة على غزة وعلى أهل غزة، هاشاً باشاً وتقمص شخصية «الكوميدي» المصري فؤاد المهندس، وتمايل ذات اليمين وذات الشمال وكأنه يقف على خشبة مسرحٍ من الدرجة العاشرة، وكأن هذا الذي يواجهه الشعب الفلسطيني يجري في المريخ أو القمر... أو في إحدى جزر الـ «هونو لولو» ! لقد زفَّ البشرى، حفظه الله وأدامه ذخراً للعروبة والإسلام، للفلسطينيين الذين تسيل دماؤهم كشلال متدفق والذين تعض أجساد أطفالهم طائرات الـ «إف16» بأن خسائر «المقاومة» في هذه الحرب وبعد سبعة أيام تكاد لا تذكر، وأن غزة صامدة وتقاوم، وكان زميله في المكتب السياسي لحركة حماس قد أعلن بعد ثلاثة أيام من الحرب أن الجناح العسكري لحركته لم يُصب بأي أذى، وهذا كان قبل استشهاد الدكتور نزار ريان مع زوجاته الأربع وثلاثة من أطفاله بغارة مجرمة على منزله باغتته على حين غرَّة.
لا يطالب غزة وأهل غزة بالانتصار، انتصاراً عسكرياً، في هذه الحرب غير المتكافئة إلا إمّا مزايد صاحب أجندة خاصة لا تهمه دماء الفلسطينيين ولا عذابات وويلات نسائهم وأطفالهم أو أبله وجاهل لا معرفة له بقوانين الصراع ولا يدرك ان الانتحار هو أسوأ الخيارات، ولا يعرف ان الله قال لنا في القرآن الكريم: «ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة». عندما يزف الشيخ خالد مشعل البشرى للفلسطينيين وللعرب و«العجم» ! بأن حركته «لم تخسر من قواتها العسكرية إلا القليل القليل»، فإن هذا يعني أنها لم تقاتل، وأن الشهداء الذين زاد عددهم على الأربعمئة والجرحى الذين اقترب عددهم من الثلاثة آلاف هم من المدنيين الذين باغتتهم الطائرات المجرمة، وهم يسيرون في الطرقات ويتجمعون أمام المخابز، وانهالت عليهم القذائف وهم يختبئون ليس في الأنفاق البعيدة الأغوار تحت الأرض وإنما تحت سقوف منازل مخيمات غير محصنة وغير محمية. لم تسجل أيام الأسبوع الأول من الحرب ولا عملية فدائية واحدة ضد الدبابات الإسرائيلية المتكردسة على مشارف غزة من الشمال كضباع جائعة تنتظر لحظة الانقضاض على هذه المدينة المسكينة المحاصرة، ولم تطلق أي طلقة على الطائرات التي واصلت الإغارات على أهدافها المكشوفة، وذلك في حين ان حصاد صواريخ «القسام»، التي وُعد الإسرائيليون بأنها ستزلزل الأرض من تحت أقدامهم، اقتصر على أربعة من المدنيين البعيدين عن خطوط القتال والمواجهة مقابل كل هذه الأعداد من الشهداء والجرحى الفلسطينيين الذين بقيت أعدادهم تتزايد لحظة بعد لحظة. إنه غير مطلوب من «حماس» ان تنتصر على كل هذه القوى الغاشمة الهائلة وأن تصدها في معركة مواجهة مكشوفة، لكنه كان عليها ألّا تكبر حجرها قبل ان تقع الواقعة، وكان عليها ان تتحاشى هذه الحرب وألّا تستدرجها استدراجاً... إنه على قادة هذه الحركة، وبخاصة الذين يستمتعون برغد العيش في العواصم الآمنة البعيدة، ألّا يتحدثوا عن صمود وانتصارات ومقاومة، بينما يذبح الشعب الفلسطيني في غزة ذبح النعاج، وبينما أثبتت الصواريخ، التي وضعت كل الحجج والمبررات في أيدي عتاة الإجرام في إسرائيل، فشلها ولم تحقق ولو الحد الأدنى من الزلازل التي توعد بها خالد مشعل ورفاقه العدو الصهيوني. * كاتب وسياسي أردني