بادرت «الجوقة» نفسها، التي سوَّقت هزيمة حزب الله في حرب يوليو عام 2006 وحولتها الى انتصار ما بعده انتصار، وبمجرد توقف العدوان الغاشم على غزة الى تسويق هذه المأساة التي حلَّت بهذا الجزء من الشعب الفلسطيني على أنها نصر إلهي! وأن العدو الإسرائيلي لم يحقق الأهداف السياسية التي شنَّ هذه الحرب من أجلها... وبالتالي فإن المنتصر، الذي هو حركة حماس، يجب ان يرث الحالة الفلسطينية بكل ما فيها، وأنه من الآن فصاعداً يجب ان يحل محل منظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.

Ad

فهل هذا صحيح... وهل ان العدو الصهيوني فعلاً لم يحقق أهدافه العسكرية ولا السياسية التي شنَّ من أجلها هذه الحرب المدمرة؟!

ربما أن قول الحقيقة، في مجال الرد على هذا السؤال، سيوجع قلوب الطيبين الذين لا تحتمل قلوبهم وعقولهم ان يقال إنه غير صحيح ان العدو لم يحقق أهدافه وأن «حماس» لم تنتصر إلا ربما على «فتح»، وأنه لم تكن هناك مقاومة فعلية منظمة وموزعة كفرق قتالية على محاور تقدم الجيش الإسرائيلي، وأن الأكثر من تسعمئة صاروخ التي أُطلقت خلال نحو ثلاثة أسابيع من القتال لم تكن مؤثرة من الناحية العسكرية... وأن القتال كان من قبل طرف واحد وهذا ما قاله خالد مشعل وعدد من زملائه عندما كانوا يستجدون استجداءً وقف إطلاق النار.

إنه على كل من يشك في هذه الحقيقة ان يسأل أهل غزة عما حدث وعما إذا كانت هناك مقاومة فعلية، كما ان عليه ان يعرف معنى ان تقتصر خسائر الجيش الإسرائيلي على عشرة جنود فقط، بينهم أربعة قتلوا بما يسمى «النيران الصديقة» مقابل أكثر من سبعة آلاف فلسطيني بين شهيد وجريح، ومقابل كل هذا الدمار والخراب الذي حلَّ بـ «قطاع» يشبه علبة سردين يتراصف سكانه فوق بعضهم بعضاً في منطقة لا تزيد مساحتها على نحو ثلاثمئة وستين كيلومتراً مربعاً.

لم تَشُن إسرائيل هذه الحرب المدمرة للقضاء على «حماس» ولا على دولة «حماس» في غزة، لقد شُنت هذه الحرب، وهذا أُعلن مراراً وتكراراً، من أجل إيقاف عمليات إطلاق الصواريخ التي رغم أنها دخانية وكرتونية فإنها تستخدم من قبل الأحزاب الإسرائيلية المتصارعة للتأثير على نتائج الانتخابات التي ستجرى في فبراير المقبل، ومن أجل تدمير أنفاق التهريب التي بلغ عددها ألفي نفق... وهذا هو الذي حصل ويحصل الآن وبضمانات دولية.

قبل هذا «الانتصار الإلهي» كان قطاع غزة محاصراً من قبل دولة واحدة هي إسرائيل، والآن بعد هذا الانتصار غدا حصاره دولياً، وغدا إغلاق أنفاقه مضموناً باتفاقيات دولية... ثم وإذا كان هذا يشكل انتصاراً فما هي الهزيمة يا ترى؟!

ما كانت إسرائيل تريد رأس «حماس» حتى يقال إن بقاء رأسها يعد انتصاراً ما بعده انتصار، فبقاء هذه الحركة وبقاء دولتها في غزة هو مطلب إسرائيلي وبخاصة قبل تحريك عملية السلام مجدداً ودفع الإدارة الأميركية في اتجاه استحقاق قيام دولة فلسطينية مستقلة، الى جانب الدولة العبرية، والمعروف ان الإسرائيليين بقوا يتهربون من هذا الاستحقاق بحجة انقسام الفلسطينيين، وبحجة أنهم لا يجدون الطرف الفلسطيني الذي يفاوضونه ويبرمون معه اتفاقية السلام المنشودة.

* كاتب وسياسي أردني