يقول أحمد عبدالقوي في مدونته الأخيرة «عاوز حقي»، وعبدالقوي طالب جامعي مصري، حرم من الإقامة في المدينة الجامعية هذا العام بسبب مشاغباته على مدونته «أكيد في مصر».

Ad

احتجاجا على الحرمان، نفّذ مع زملائه في الدراسة اعتصاما، وتواصل مع منظمات حقوقية، وخاض مفاوضات مع إدارة الجامعة، لم تتضح نتائجها بعد، وباللهجة المصرية المخففة، مطعمة ببعض الفصحى، حكى عبدالقوي على مدونته قصته بخفة ظل وسلاسة وتشويق.

«المهم الرسالة وصلت... وحدث ما لم يحدث في تاريخ الكلية، وأنا كدة حاولت أخذ حقي، استخدمت الضغط الإعلامي والحقوقي... إن احنا مش لازم نسكت عن حقنا...». ختم عبدالقوي مدونته، وهو يعتقد أن مجرد سماع قصته، يحيل السامع إلى توقع أن الحادثة حدثت «أكيد في مصر».

لكن السامع قد يختلف مع عبدالقوي في يقينه ذاك، ويتخيل مثلا أن ما حصل إنما كان في المغرب؛ خصوصا إذا لم يكن زمن طويل مضى على سماع قصة ياسين بيلاسال.

ياسين طالب في المرحلة الثانوية في إحدى مدارس مراكش، ويبدو أنه مهووس كرة قدم وعاشق لفريق برشلونة إياه... قاده هوسه في لحظة حماس على ما يبدو إلى أن يكتب على سبورة اللوح في غرفة الصف، شعار «الله، الوطن، برشلونة». اعتبر ذلك «إخلالا بالاحترام الواجب للملك» الذي احتل الفريق الرياضي مكانه في الشعار!

من سوء حظ ياسين أن دخل المدير مصادفة إلى غرفة الصف ليمسكه بالجرم المشهود، معبرا عن نوازعه الرياضية المراهقة.

من دون طول سيرة، حُكم ياسين بالسجن عاما ونصف، واستعارة من عبدالقوي، حدث ربما ما لم يحدث في تاريخ المدرسة! بأن يقوم مديرها بصفته التربوية والأبوية، بتسليم طالب مراهق من طلابه بتهمة سياسية إلى الجهات «المختصة»؛ لأنه، فقط، يحب برشلونة، أو لأنه ربما يحب برشلونة أكثر من الملك، أو يحب الملك إلى درجة محبته لبرشلونة!!

أكيد في المغرب سيقول قائل، إذا كان من غير المتابعين المثابرين لأخبار القيل والقال الحقوقية وثرثرات المنع والحجب والقبض هنا وهناك، إن كان من هذا الصنف، سيقول أكيد في سورية!

ذلك بالطبع بعد أن يكون قد قرأ أخيرا في الصحافة المحلية، نبأ إقامة دورات في مجال حقوق الإنسان لضباط في الشرطة، بالتعاون مع منظمة حقوقية «غربية». ومنبع خفة ظل الخبر المشابهة لأسلوب مدونة عبدالقوي في أحد أوجهها، لا يكمن في الموقف الرسمي الذي لا يحتوي على شيء من «الود» تجاه المنظمات الحقوقية، ولا في منع الأغلبية العظمى من النشطاء الحقوقيين من السفر لحضور ورشات عمل وتدريب في هذا المجال، ولا السجل الحزين لانتهاكات الحقوق قبل أن تقام تلك الدورات التدريبية وبعدها، بل يكمن فقط في المصادفة والتوقيت العاثر.

فبفارق زمني بسيط، صدر مرسوم يمنح الحصانة لعناصر الشرطة وضباطها عما يرتكبونه أثناء تأدية مهماتهم، عبر حصر تحريك الدعاوى القضائية بحقهم بالحصول على موافقة مسبقة من القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة. هذا وحده، كان يمكن أن يشكل المادة التدريبية الأكثر دسما خلال الدورات إياها. ورشة عمل تحت عنوان، كيف تقوم «بمهماتك» ضربا ودولبة وشبحا، وأنت مطمئن البال، على سبيل المثال!

وبفارق زمني أبسط، قتل مواطنان أعزلان على عتبة منزل أحدهما، رشا بالرصاص على يد دورية أمنية، وحرقت في اليوم التالي معالم الجريمة من قبل «مجهولين»، قبل أن تصل النيابة العامة العسكرية للتحقيق في الجريمة.

ولا بد أن عبدالقوي وياسين يقولان إن سمعا بما سبق، أكيد في سورية!

بالتأكيد أنه، من دون شك، يحصل فقط في مصر، في المغرب، في سورية، إلخ... إلخ. والغريب، أن العديد من دول هذه المنطقة، لايزال يشارك كل عام في مسابقات دولية للحصول على لقب عجيبة من عجائب الدنيا السبع عن موقع أثري من مواقعها، غير مدركة أن كل واحدة منها هي عجيبة بحد ذاتها. رواياتها وقصص ناسها تبكي وتضحك وتبكي حتى الهذيان؛ وأحيانا قليلة، تبعث على الأمل: «كل شخص في أي مكان يقاوم الظلم ولو بكلمة، بس مش لازم يسكت طالما أنه له الحق» قال عبدالقوي.

* كاتبة سورية