برافو... سعاد
أمام هذا الكم الهائل من المسلسلات، نقع في حيرة الاختيار، ما الذي يُشاهَد؟ وما الذي يُعفى من المشاهدة؟ وهو السؤال الذي يطرح كلما حل علينا شهر رمضان، الذي بات شهرا للمسلسلات والمسابقات والفوازير والبرامج الفنية. على كل حال استطعت أن احدد اختياراتي، بعد استبعادي لكل الحكايات المتكررة والمتشابهة، والمتماثلة، والمملة. وعلى هذا استبعدت كل المسلسلات التي تولدت من كم «باب الحارة»، وكذلك المستنسخة من ماضي النواخذة، وتلك التكرارات المجترة لماضي الخليج القديم، وأيضا حكايات ومآسي أولاد الشوارع التي ابتدأتها «حنان ترك» والله يعلم متى تنتهي موضتها؟ ويتبعها عصابات المافيا العربية التي من يرها على الشاشة، يتخيل كأن حياتنا أصبحت بيد المافيا والعصابات العالمية. ولكني استثنيت منها مسلسل «الدالي» لأتابع الجزء الثاني بعد الأول الذي شاهدته في رمضان العام الماضي. ومع استبعاد المسلسلات البدوية، والتاريخية، ومسلسلات الكلام الفارغ من المعنى والتي من المفروض أن تضحكنا وتبهجنا، ولكنها تأتينا بكم من السماجة والإزعاج، وثقل الدم. وبعد كل هذه الإلغاءات بقي هناك الكثير من الأعمال التي تستحق المشاهدة، ومنها اخترت «الدالي» الذي ما زال مشدوداً بخطوط درامية قوية مرسومة بدقة لكل شخصية على حدة، والمسلسل قوي ومترابط إلى الآن.
المسلسل الثاني «شرف فتح الباب» واختياري له كان بسبب اسم «يحي الفخراني» الذي أتابع أعماله في كل رمضان، لأنه علامة جودة، وجواد السباق الرابح في كل المسلسلات التي يقوم ببطولتها، ولكن للأسف مسلسل هذا العام سبق أن تم طرح أحداثه في أعمال كثيرة، ولكني ما زلت أتابعه لأنه يحمل بصمة «يحي الفخراني». المسلسل الثالث «بعد الفراق» وهو تمثيل بعيد عن التشنج والنعيق والصراخ، وهذا هو أسلوب الرائعة هند صبري، والقدير خالد صالح، والحكم عليه بعد نهاية رمضان. أما المسلسل الذي شدنا وجذبنا إلى مشاهدته ومتابعته فهو «فضة قلبها أبيض» من بطولة سعاد العبدالله التي فاجأتنا بهذا الدور الصعب، وهذا الأداء المذهل الذي استخدمت فيه كل أدوات الممثل باقتدار هائل. سعاد مثلت بجسدها، بعجزه وضعفه وتخلفه، ومثلت بروحها التي توهجت بروح طفلة توقفت عن النمو عند العاشرة من عمرها، ومثلت بعقلٍ عجز أن يصل إلى مرحلة الكبار، وبقي في طفولته البريئة، وعينين وظفتهما سعاد ببراعة لترجمة ما في أعماقها من أفراح أو أحزان طفلة تختلف عن كل الناس. طفلة سرقت مشاعرنا واستولت على عواطفنا بالتمثيل السهل الممتنع. برافو «سعاد» لقد تحررت من الأدوار النمطية واجتزت اختبار النجاح الصعب «بفضة قلبها الأبيض» ولا أنسى مؤلفة المسلسل «هبة مشاري حمادة» وإن كنت لا أعرفها قبل هذا العمل، ولكنها أجادت في كتابة المسلسل، وفي ترابط الأحداث ومنطقيتها وسلاستها، وأحلى ما في كتابتها البهجة والبعد عن السوداوية في تناول وطرح الأحداث المؤلمة. والجميل في هذا المسلسل هو التوظيف الجيد في رسم الشخصيات وأداء الممثلين لها، من القديرة اسمهان توفيق إلى هدى حسين التي أبدعت في أداء هذا الدور الممزوج بخفة دم وعنف وسلطوية. ولن أنسى الممثلة الجديدة «مريم عبد الوهاب» التي أجادت دور المرأة اللعوب، «مرام» وخالد أمين، وفاطمة الصفي، وشجون الهاجري. أتمنى أن يبقى المسلسل حتى نهايته بهذه الجودة، وأن يحافظ على مستواه الجيد حتى لا يخيب أملي في نجاح أعمالنا الدرامية.