فيفا... والتوتة السوداء
صرحت «فيفا» أنها جاءت لتصحيح أوضاع خاطئة ظلت قائمة لزمن طويل، وهو وصف دقيق لممارسات الشركات الموجودة، في حين أن تصحيح الأوضاع هو واجب تقاعست عنه وزارة المواصلات، فساهمت في نفخ أرباح الشركات، ونهب جيوب المستخدمين بغير حق طوال هذه السنين.أخيراً انضممت إلى نادي مستخدمي التوتة السوداء، أو ما يسمى إفرنجياً «BlackBerry»، وسرعان ما أحسست بالفرق، فلا حاجة بعد اليوم لحمل النوتة الصغيرة التي تتخم جيب الدشداشة وتتساقط أوراقها من فرط الاستعمال، فالمواعيد وأفكار المقالات بت أدونها في ذاكرة التوتة، ولن يكون هناك «أقرأ الإيميل أول ما أرجع البيت»، فالرسائل تصل أولاً بأول إلى التوتة، وانتهى زمن الاقتصاد بالرسائل القصيرة والإفراط بدفع فواتيرها، فمع مجانية رسائل BBM بين توتة وأخرى أصبحت أفرط بالرسائل وأقتصد بالفواتير.
لقد جعلت التوتة التواصل أسهل والحياة أهنأ، ولكنه هناء مُر، إذ مع دخول شركة «فيفا» سوق الاتصالات في ديسمبر الماضي عقدت العزم على التحرر من شركة «زين» والانتقال إليها، فمن ينهب جيبه طوال هذه السنين لا يمكن أن يبقى لديه أي احترام أو ولاء تجاه من ينهبه، ولكن سرعان ما اكتشفت أن «زين» تحتكر خدمة تشغيل التوتة، لذلك هاأنذا لاأزال مكبلاً. عندما أعلنت «فيفا» مجانية المكالمات الواردة، وأجبرت منافستيها «زين» و«الوطنية» على ركوب الموجة، ومحاولة كل واحدة منهما إقناع مشتركيها بيأس بأنها سبقت الأخرى في اتخاذ الخطوة، قيل إن «فيفا» سجلت هدفاً مبكراً وتقدمت بنتيجة 1- صفر، وكسبت احترام المستخدمين، ومع إعلانها قبل أيام إجراء مزاد علني لبيع الأرقام المتميزة يخصص ريعه للأعمال الإنسانية عززت تقدمها إلى 2- صفر، إذ إن عدم استفادة الشركة من بيع الأرقام يجسد مبدأ أساسياً غائباً عن قطاع الاتصالات، وهو أن رقم الهاتف ليس سوى قناة لإيصال خدمات الاتصال التي تقدمها الشركة وتستحق مقابلاً عليها، ولكن الشركة بالتأكيد لا تملك الرقم حتى تحصل رسوماً مقابل بيعه كما تفعل الشركات الموجودة، التي لا تقف عند ذلك فحسب، بل تحتكر الأرقام وتصادرها من أصحابها في حال عدم استخدامها.رقم الهاتف مثل الأرض التي يبنيها مالكها ثم يوصل لها خدمات الكهرباء والماء، فهي ملك خاص به ولا يحق لأحد أن يصادرها منه. المنطق نفسه ينطبق على الهاتف، فعندما تبيع الشركة الرقم على المستخدم فإنه يصبح ملكاً خاصاً به، ويتعاقد مع الشركة لإيصال خدمة الاتصال ولا يحق لها مصادرة الرقم منه، كما أن الاختيار بين الشركات التي توصل الخدمة هو حق أصيل للمستخدم وليس من حق الشركة أن تسلبه من خلال احتكار الرقم.لقد صرحت «فيفا» أنها جاءت لتصحيح أوضاع خاطئة ظلت قائمة لزمن طويل، وهو وصف دقيق لممارسات الشركات الموجودة، في حين أن تصحيح الأوضاع هو واجب تقاعست عنه وزارة المواصلات، فساهمت في نفخ أرباح الشركات، ونهب جيوب المستخدمين بغير حق طوال هذه السنين.أتمنى أن يترجم الوزير نبيل بن سلامة تصريحاته عن نية الوزارة إعطاء المستخدم حق الاحتفاظ برقمه وحرية الانتقال من شركة لأخرى إلى أفعال، وأن تكمل «فيفا» إحسانها وتكسر احتكار خدمة BlackBerry، عندها سنكون أنا وتوتتي السوداء أول المنتقلين إليها.