Ad

هل ياتُرى طرأت مستجدات في اللحظات الأخيرة جعلت الدخان الأبيض يتصاعد في وقت واحد من الدوحة، ومن تركيا- حيث المفاوضات السرية غير المباشرة بين سورية وإسرائيل- ومن بغداد، ومن القاهرة؟!

هناك اعتقاد، يصل إلى حد اليقين، أن الدخان الأبيض للانفراج المفاجئ الذي كلل مهمة لجنة الوساطة العربية بالنجاح بعد انهيار المفاوضات بين الأطراف اللبنانية المتصارعة، لم يخرج من الدوحة إنما من تركيا حيث أحرزت المفاوضات السورية- الإسرائيلية المستمرة، والتي تصر دمشق على أنها لم تكن مباشرة- وهذا غير مهم- تقدماً، وتقول بعض المصادر أنه تمثل في الاتفاق على كل شيء بما في ذلك الشروط المتبادلة المتعلقة بمطالب السوريين ومطالب الإسرائيليين.

والملاحظ أن الإعلان عن هذه المفاوضات غير المباشرة، المستمرة منذ نحو أربعة شهور وبقيت غير مباشرة، قد جاء في اللحظة التي كان فيها المفاوضون في الدوحة يعقدون مؤتمرهم الصحفي الذي زفوا فيه البـُشرى للبنانيين والعرب وكل مَن تابع آخر تطورات الأزمة اللبنانية بانتهاء هذه الأزمة، وهذا لا يمكن أن يكون مجرد «صدفة»، بل لا يمكن إلا أن يكون توقيتاً مقصوداً ومدروساً هدفه إعطاء انطباع بأن قضايا الإقليم متداخلة وتشبه حال السوائل في الأواني المستطرقة.

هل هي مجرد مصادفة أن تتكلل المفاوضات السرية غير المباشرة السورية-الإسرائيلية بالنجاح الذي تم الإعلان عنه في الوقت الذي أعلن فيه المفاوضون اللبنانيون في الدوحة نجاح مفاوضاتهم بعد أن كانوا قد حزموا حقائبهم للعودة إلى بيروت بفشل مرعب وخطير؟ وهل هي مجرد مصادفة أن يجري هذا كله بينما سكت الإيرانيون على دخول الجيش العراقي مدينة الصدر التي كانت قاعدة لجيش المهدي الذي يقوده فعلياً حراس الثورة و«فيلق القدس»، وبينما يتم تسريب معلومات، مصرية وفلسطينية، بأن مساعي التهدئة بين إسرائيل و«حماس» قد أحرزت تقدماً مؤكداً، وأن اتفاقاً بهذا الخصوص بات في مراحله الأخيرة؟!

لا يمكن تصديق أن هذا الذي جرى كله في يوم واحد هو مجرد مصادفة، و«رب صدفة خير من ألف موعد»! وأغلب الظن بل المؤكد، أن هناك أموراً قد استجدت على مستوى المنطقة كلها أدَّت إلى هذه التطورات «الدراماتيكية» كلها من الدوحة إلى تركيا... إلى القاهرة، حيث كانت طبخة التهدئة بين إسرائيل و«حماس» موضوعة «فوق نارٍ حامية»... وأيضاً إلى «مدينة الصدر» التي فتحت ذراعيها، فجأة وبقدرة قادر، لاحتضان جيش نوري المالكي بعد زواج كاثوليكي مع جيش المهدي استمر منذ سقوط نظام صدام حسين في التاسع من أبريل عام 2003.

كان الاعتقاد، وهو اعتقاد صحيح، أن الإسرائيليين والأميركيين المتفقين على كل شيء يختلفون على «ضربة» هذا الصيف، فإسرائيل تريد توجيه هذه الضربة وبسرعة إلى إيران بحجة أن مشروعها النووي «العسكري» بات في مراحله الأخيرة، وأنه لابد من إحباطه قبل أن يصبح أمراً واقعاً يفرض نفسه على الجميع، بينما ترى الولايات المتحدة أن الأولوية يجب أن تكون لسورية التي تشكل الخندق المتقدم في الجبهة الممتدة من طهران إلى بغداد إلى دمشق إلى بيروت إلى غزة.

وهنا نتساءل: هل ياتُرى طرأت مستجدات في اللحظات الأخيرة جعلت الدخان الأبيض يتصاعد في وقت واحد من الدوحة، ومن تركيا- حيث المفاوضات السرية غير المباشرة بين سورية وإسرائيل- ومن بغداد، ومن القاهرة؟!

الحكم على هذا الموضوع ستحمله الأيام المقبلة، فإن انتقلت المفاوضات السورية-الإسرائيلية من وضعية غير المباشرة إلى وضعية المباشرة، وثبت أن كل شيء متفق عليه بالنسبة للشروط المتبادلة كلها، وأيضاً إن صمد اتفاق الدوحة وألغيت حالة الدولة داخل الدولة التي يشكلها «حزب الله»، وإن أُنجزت صفقة التهدئة بين إسرائيل و«حماس»، وإن صمدت سيطرة الجيش العراقي على مدينة الصدر، فإن المنطقة ستشهد صيفاً جميلاً بلا أي منغصات... وإلاَّ فإن حرباً إقليمية سيشهدها هذا الصيف؛ إما في الجنوب اللبناني، وإما في هضبة الجولان، وإما على هيئة ضربة خاطفة للمفاعلات والمراكز النووية الإيرانية... والله أعلم!!

*كاتب وسياسي أردني