مواطن سابق!
حتى لا تستشري ظاهرة المواطنين السابقين عندنا، خصوصاً في ظل الصراع السياسي والاستقطاب المستمر، وعلى خلفية القيود الأمنية المثيرة للجدل التي تفسر تبعاً للأهواء والتقديرات الشخصية يجب أن تحال مسألة القيد الأمني إلى القضاء العادل ليقول فيها كلمة الفصل.
كثيرة هي مؤشرات التراجع وخطوات التقهقر إلى الوراء في ما يخص مجمل الأوضاع العامة في البلد، ونتيجة لسياسات الفشل في الارتقاء بمستوى الخدمات الأساسية وبناء مستقبل قائم على رؤية تنموية عصبها الاستثمار في المورد البشري، وسلاحها إدارة إيرادات الثروة النفطية الهائلة باقتدار، نحاول دائماً أن نعوض هذا الانكسار بالتباهي والتفاخر بالماضي!ولهذا فإننا نتغنى بأن الكويت «كانت» جوهرة الخليج، و«كانت» نواة التعليم النظامي في المنطقة قبل أكثر من قرن من الزمان، و«كانت» السباقة في النهضة العمرانية، و«كانت» أول دولة عربية تقود فلسفة الاستثمارات الخارجية، و«كانت» أول دولة في العالم تخصص نسبة من عوائدها المالية للأجيال القادمة، و«كانت» أول بلد خليجي يحقق البطولات والإنجازات الرياضية قارياً ودولياً، وتكاد لا تنتهي هذه القائمة من النجاحات السابقة. ويبدو أن فلسفة الماضي هذه قد تحولت إلى عقدة وصلت إلى عظم الحياة السياسية أيضاً ليس من باب أن الكويت «كانت» من أولى الديمقراطيات في العالم العربي بل إن الاهتزازات السياسية المتعاقبة قد تركت لنا إرثاً غنياً من الألقاب التي تشير إلى الماضي أيضاً، فكثرة الحكومات الموقتة والتعديلات عليها وحل مجالس الأمة بصورة متكررة والانتخابات شبه السنوية والطعون فيها، وتغير المواقف السياسية، خلقت لنا قائمة طويلة من الرموز والشخصيات التي تحولت إلى وزير سابق، ونائب سابق، ووكيل سابق، ومستشار سابق، ومعارض سابق، وحكومي سابق!! ونتيجة لمثل هذه العقلية التي تدار فيها شؤون العباد والبلاد ليس من المستغرب إطلاقاً أن تنتقل هذه العدوى ليشهد القاموس الكويتي ولادة مصطلح مواطن سابق في إنجاز مستقبلي جديد لكنه يبعث على الخجل ويدمي القلوب.فقرار سحب الجنسية من مجموعة من المواطنين كردة فعل للتهديد باستجواب رئيس الوزراء وبدء التفتيش في ملفات البعض الآخر ظاهرة منكرة وسياسة ظالمة بكل ما تعني الكلمة من معنى، ويمكن أن تتحول إلى أداة للإرهاب السياسي والابتزاز على حلبة صراع الأجندات المخفية، ضحيتها الأولى والأخيرة عوائل من البشر تضم الأطفال والنساء ممن لا حول لهم ولا قوة، والكل في الكويت يعرف ماذا تعني الجنسية، خصوصا من انتظرها نصف قرن من الزمان وما ستؤول إليه الأحوال في عالم من البؤس والجراحات التي لا يمكن أن يتصورها العقل.صحيح أن التجنيس من القضايا السيادية وسياسته يجب أن تكون قائمة على التمحيص والتدقيق ومعايير الاستحقاق والعدالة، والنأي به كصكوك للولاءات الشخصية والسياسية، ولكن ما يحدث اليوم في هذا الملف يجسد قمة التناقض والظلم الجسيم، فهذه القضية قد أثيرت في عهد الحكومة السابقة، وفي ظل رئيسها ووزراء السيادة فيها والتي أكدت صحة بياناتها وقناعاتها ودافعت عن قرارها بقوة وثقة، فما الذي تغير بعد التلويح بالاستجواب؟وحتى لا تستشري ظاهرة المواطنين السابقين عندنا، خصوصاً في ظل الصراع السياسي والاستقطاب المستمر، وعلى خلفية القيود الأمنية المثيرة للجدل التي تفسر تبعاً للأهواء والتقديرات الشخصية يجب أن تحال مسألة القيد الأمني إلى القضاء العادل ليقول فيها كلمة الفصل، ويضع حداً لاستغلالها كمادة سياسية وعباءة تفصل حسب معايير المصالح الشخصية التي يبدو أنها عرضة للتغيير والتأويل، مع تبدل مواقع المسؤولين وضحيتها أكرم مخلوقات الله وهو الإنسان!