كما ورد في الأخبار فإن الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني هو اليوم -الاثنين- في المملكة العربية السعودية للقاء قمة مع العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز، شريكه في الهموم والاهتمامات والجراح والآمال كما يفترض!

Ad

أن يتوجه الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني شخصيا إلى المملكة العربية السعودية وفي هذه اللحظة التاريخية بالذات فهذا يعني أن ثمة أمرا جللا يحدث في المنطقة يحتاج إلى حركة من العيار الثقيل!

فالرئيس رفسنجاني كما هو معلوم ومنذ أن ترك موقع الرئاسة التنفيذية واعتلى موقع رجل التوازنات في سلم القيادة الإيرانية كرئيس لما يسمى بمجلس تشخيص مصلحة النظام، ومن ثم أخيرا رئيس مجلس خبراء القيادة وهو الموقع الذي أشبه ما يكون بصمام الأمان لاستمرارية الهيكلية القيادية الإيرانية في حال حصول أي حدث طارئ أو مفاجئ، بات تحركه لاسيما الخارجي منه قليلا ويفتح له حسابا خاصا!

لكنه ومن جهة أخرى فإن الأمر عندما يتعلق بالسعودية بالذات فإن القيادة الإيرانية عموما وشخص الرئيس رفسنجاني يتعاملان معه بصورة متمايزة ويفتحان له حسابا خاصا!

لعل القليلين يتذكرون تلك المقولة الشهيرة لأحد مستشاري الرئيس رفسنجاني مبكرا عن الحالة الخاصة والممتازة التي يمثلها كل من الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية عندما وصفهما في حينه بالجناحين اللذين لا يمكن للعالم الإسلامي أن يطير من دونهما!

والآن حيث الأوضاع الحرجة والمضطربة للغاية في العالم الإسلامي عامة والمشتعلة في أكثر من ساحة على امتداد الوطن الإسلامي الكبير لاسيما في ساحتي فلسطين والعراق ولبنان أيضا رغم التقدم الكبير الذي حصل أخيرا على طريق المصالحة الداخلية بين الفرقاء، فإن التشاور على هذا المستوى الثقيل بين ما يمثله هذان «الجناحان» من وزن جيو سياسي وإقليمي يصبح أكثر من لازم، حيث تأتي زيارة رفسنجاني في هذا السياق المطلوب!

من لبنان الذي يحتاج الاستقرار فيه إلى تثبيت ما بات يعرف بإنجاز صلح الدوحة وهو ما توصلت إليه الجهود والمساعي العربية والإسلامية والدولية الرفيعة، إلى فلسطين التي بحاجة اليوم إلى النصرة أكثر من أي وقت مضى من كل العرب والمسلمين وفك الحصار الظالم عن غزة هاشم، إلى العراق الجريح النازف الذي يجتاز اليوم واحدة من أدق مراحل تحولاته، فإن الأمر يتطلب تحركا وحراكا دؤوبين لايقبلان التردد ولا التأخير، وبالتالي لابد من مثل هذه اللقاءات وعلى هذا المستوى!

ثمة نقاش مستفيض ومعمق يدور في إيران ومنذ مدة حول أهمية ما بات يعرف بضرورة إصلاح ذات البين على المستوى الإسلامي العام، وإن مثل ذلك الإصلاح قد لا يكون ممكنا إلا من بوابة إصلاح وترميم، ومن ثم تعزيز العلاقات السعودية-الإيرانية لما يمثله هذان البلدان من ثقل متميز بالرغم من كل ما أخذ يحيط بدورهما من لغط متزايد وجدل لا يتوقف!

فالسعودية باتت موضوعة في خانة الطليعة مما بات يعرف بمحور أو معسكر المعتدلين في المنطقة، وهو المحور الذي أراد له الأميركيون أن يحمل مهمة التصدي للدور الإيراني الإسلامي المتميز أولا ومن ثم إلى فتح النار المستمر ثانيا على سائر قوى المقاومة والممانعة الممتدة من غزة مرورا ببيروت ودمشق وصولا إلى طهران التي توصم بالبنك المركزي للإرهاب كما يحلو للأميركيين أن يصفوها!

هذا بينما تعيش بلادنا العربية والإسلامية في منطقة جنوب غرب آسيا حيث قلب العالمين العربي والإسلامي وفي المقدمة منه أرض فلسطين المستباحة من قبل الأجنبي الغاصب والمحتل والمتجبر، واحدة من أحرج أيامها وأكثرها اضطرابا، الأمر الذي يتطلب من أهلها وقادتها تكثيف التنسيق والتشاور في ما بينهم وضرورة اتسامه بالصراحة والمكاشفة والشفافية و فتح كل ملفات التوافق والاختلاف ووضعها على طاولة الحوار المفتوح وبلا شروط أو حدود!

في هذا الإطار الواسع وفي مثل هذه الظروف الملحة كان لابد من مثل هذا المستوى من اللقاءات في مكة بالذات حيث قبلة المسلمين وملاذهم للخروج مما هم فيه من فتن متنقلة وتشويه للصورة!

الأمر خطير وجلل نعم، لكن الأخطر عندما تتأخر مثل هذه اللقاءات، والأكثر خطورة هو أن تترك من دون تشاور وتنسيق على مستويات القمة وما يتطلب من تضميد للجراح وما أكثرها!

أعرف أن مثل هذا اللقاء لوحده لا يكفي ولا يمكنه أن يختصر كل ما هو مطلوب، لكنه قد يكون خطوة من العيار الثقيل كان لابد منها منذ زمن، لكنها أن تأتي ولو متأخرة أفضل من ألا تأتي أبدا!

نستبشر خيرا بمثل هذه اللقاءات رغم اختلاف الرؤى بين الزعامات، ذلك لأنه عند المنعطفات يختبر أصحاب القامات، لاسيما ونحن أمام مستقبل واعد رغم الجراح المثخنة واضطراب الأحوال!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني