إن هناك حاجة ضرورية في أتون الفلتان السياسي والفوضى التي تعصف بكل جوانب الساحة العامة لخلق جبهة معارضة متكاملة تعيش أولاً حالة الانسجام بين الفكر والموقف والسلوك لتعيد إليها ثقة الشارع.

Ad

المعارضة السياسية سمة من سمات الديمقراطية الحقيقية وتجسيد لحقيقة التنوع الفكري والإيديولوجي في أي مجتمع حر وتعبير صادق لمفهوم الرأي والرأي الآخر، ويفترض أن تمارس المعارضة دورها في إطار قواعد اللعبة السياسية وتحت مظلة الدستور وروح القانون وذلك من خلال التسويق لأفكارها وبرامجها السياسية، ويكون الرأي العام وحده الحكم على قبول آراء المعارضة عن طريق صناديق الاقتراع أو الاستفتاءات العلمية الدقيقة.

والمعارضة السياسية الحقيقية كانت ولاتزال مصداقاً للديمقراطية الكويتية على مدى سنوات طويلة واكتسابها احترام الشعوب في منطقة الخليج والعالم العربي وأيضاً على المستوى الدولي، ولكن مفهوم المعارضة ورموزها بدت تخبو وتتراجع وتفقد بريقها وجديتها على حد سواء، ونجحت بعض القوى المتنفذة والأقلام المسمومة في تشويه مفهوم المعارضة وضربها بكل أدوات القمع الفكري والإرهاب الإعلامي حتى أصبح هذا المفهوم مكروها لدى العموم من أبناء الشعب الكويتي.

وقد ساعد بعض رموز وتيارات المعارضة من خلال سلوكيتاهم السياسية ومواقفهم المتذبذبة تعميم الجانب السلبي في مفهوم المعارضة في عيون الكويتيين، حيث فقدت الثقة بالكثير من الشخصيات والتيارات السياسية إلا ما ندر، وتحولت المعارضة المخلصة إلى عملة صعبة لا توجد إلا في أرشيف التاريخ، وهناك حالات متعددة على سهولة احتواء أي معارضة سياسية من خلال الإغراءات الضخمة خصوصا عبر بوابة التعيين في المناصب العليا ذات المزايا التي يسيل لها اللعاب إضافة إلى العقود والمشاريع المليونية التي لايكاد يصمد أمامها إلا من حباه الله بقلب سليم.

ولهذا فإن هناك حاجة ضرورية في أتون الفلتان السياسي والفوضى التي تعصف بكل جوانب الساحة العامة لخلق جبهة معارضة متكاملة تعيش أولاً حالة الانسجام بين الفكر والموقف والسلوك لتعيد إليها ثقة الشارع، ومن ثم تأسيس أدوات التأثير من خلال مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام، وانتهاءً بتشكيل جبهة برلمانية قادرة على التصدي للفساد من جهة وتطرح البديل السياسي على شكل تشريعات وضوابط وقرارات تعيد التوازن المفقود في الساحة السياسية.

ولعل نجاح المعارضة السياسية في حقبة الستينيات والسبعينيات كان أحد أسراره هذا النوع من المصداقية المفقودة اليوم والثبات على الفكر والموقف، وتمثل ذلك في التيار الليبرالي ذو النزعة الوطنية والقومية حيث كان الفكر اليساري يعبر عن فلسفة سياسية متكاملة لها تطبيقاتها على أرض الواقع، ولهذا نجد أنه على الرغم من حالة الرفاه واكتمال الخدمات العامة وبحبوحة العيش كان للمعارضة صدى شعبي كبير وقبول جماهيري واسع.

وعندما تحولت كفة المعارضة إلى التيار الإسلامي شابها الكثير من علامات الاستفهام والتناقض في السلوك والمواقف، رغم الدعم الشعبي الكبير للقوى الدينية، وكان البديل الأقوى والأرجح القادر على كسب ثقة الشارع من جديد هو التكتل الشعبي ومحاولته خلق تيار جماهيري وامتلاك وسائل إعلام محترفة، ولكن استهداف هذا التحرك من قبل جميع القوى المنافسة الأخرى والظروف الصعبة التي خاضها التكتل نفسه حال دون تحقيق هذا الطموح الكبير.

ولكن يبقى الأمل قائماً بوجود رموز وتوجهات وطنية مخلصة تجمع مختلف فئات المجتمع وتضم العناصر المخضرمة والشبابية من نساء ورجال تكون قادرة على تأسيس جبهة عريضة وغنية بالفكر وصلبة في المواقف ونزيهة الضمير لتعيد مفهوم المعارضة وتكسو الديمقراطية الكويتية بثوب الهيبة والوقار والمصداقية من جديد.