المقاومة بالجسد
يوماً ما كتب أحدهم منتشياً على جدار في شارع الحمراء «نعم لا أمل»، كان الكاتب يقصد «نعم لأمل» تلك الحركة التي يرأسها دولة الرئيس نبيه بري. لكن المناصر لهذه الحركة، وقع في الخطأ الإملائي الذي بيّن الصورة الحقيقية للواقع اللبناني الشبيهة بـ«الجلجلة»، أو «بازل» الأزمات، ما إن ننتهي من مشكلة حتى تنبت أخرى. لنقل إنّ مشكلة لبنان مثل الزئبق لا يمكن الامساك بها، أو هي مرتبطة كلياً بأزمات العالم كله بحركات أديانه وقنابله النووية وطقسه وهجرة طيوره.
أزمات لبنان من أزمات العالم التي تمتد من طهران الى واشنطن، من دمشق الى تل ابيب، من قطر الى جزر القمر. تقول فتاة غلاف إحدى المجلات: «لبنان جميل على الرغم من الحروب»، أيتها الفتاة الآتية من بلاد الصقيع لبنان جميل، لكنه مستنقع بـ«شعارات كثيرة»، شعبه يحب الشعارات واللافتات والصور والتشنجات، معظم شعبه يحب القتلة ويدعي العفة، يموت كثر في سبيل اللاشيء، أو كل فريق يخترع طريقة لموته، مرة نغرق في الدماء تحت شعارات «العروبة» و«القضية الفلسطينية»، وأخرى تحت راية «مقاومة العدو الصهيوني»، وأخرى «الغبن المسيحي»، أو تحت ذريعة حماية «خاصرة المقاومة». هكذا اللبناني، لديه من الجشع ما يكفي لحرق بلده قياساً على ما يريده العالم، ما يريده بعض الحالمين في لبنان، هكذا يتصرف الكثير من اللبنانيين باعتبار أنهم سكان في هذه البقعة الجغرافية أكثر مما هم مواطنون يحترمون وطنهم، حتى في مواسم كرة القدم، يعيشون على قياس العالم. في خلال المونديال، نشاهد رواج رايات بلدان العالم على الشرفات اللبنانية، نتابع زين الدين زيدان وديفيد بيكام ورينالدو، في الواقع نتابع مونديال القبائل اللبنانية، «نلبنن» المونديال. اليوم قبل أن تبدأ بطولة أوروبا، انتشرت رايات البلدان المشاركة، في الأيام المقبلة علينا أن نلاحظ كيف تختلط السياسة بكرة القدم، ثمة فرز اجتماعي في هذا المجال. علينا أن نقاوم مخارز السياسة والسياسيين بالغناء والهذر و«ستار اكاديمي» و«سوبر ستار وهيفاء وهبي ونانسي عجرم واليسا، هؤلاء «ثروات قوميتنا» على نحو ما قال ديغول إن بريجيت باردو «ثروة قومية»، تتحدى صواريخ العدو أكثر من الصورايخ الحربية والحزبية، الأغاني الرديئة أجمل من الخطب ذات السقوف العالية. علينا أن نفضل سذاجة بعض الفنانات والفنانين على دهاء الساسة والقادة، أن نقاوم وجوم السياسيين وجشعهم بالضحك ومتابعة برنامج «لا يمل» و«بسمات وطن» وسائر البرامج الترفيهية، نعرف أن بعضهم يسأل:«من يضحك على منْ؟» سؤال بديهي في الواقع اللبناني، لكن مهما يكن، علينا أن نضحك، أن نحطم التابوهات السياسية التي وجدت لتخريب لبنان والعالم، أو ربما علينا إنشاء حزب الحب في مواجهة الحرب، على نحو ما فعل الهيبيون في ستينات القرن الماضي، حينها ندرك أن الحرب في لبنان شكل من أشكال الكبت والجوع الى السلطة.