هل تكفي أصابع البنفسج لتثبيت الديمقراطية العراقية؟

نشر في 25-02-2009
آخر تحديث 25-02-2009 | 00:00
 د. شاكر النابلسي -1-

أدرك الشعب العراقي بوضوح تام، أن الديمقراطية التي يتمتع بها الآن، والتي لم تأتِ كل أُكلها حتى الآن، ومضى من عمرها خمس سنوات، ديمقراطية مرتفعة الثمن، في البشر، والحجر، والتكلفة المالية، وهي إحدى ضربات التاريخ الإيجابية، التي ساق لها رئيس أميركي كالرئيس بوش، لكي يأتي بها، ويمهد الطريق أمام موكبها. ومن هنا، كان الإقبال الكثيف غير المعهود في العالم العربي على الانتخابات العراقية، سواء ما تمَّ في عام 2005، أو في انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة، التي شعر كل المراقبين لهذه الانتخابات، بإصرار الشعب العراقي بكل مكوناته، على الاشتراك الكثيف فيها والتفاعل معها، والتفاخر أمام الإعلامين العربي والعالمي برفع الإصبع البنفسجي، إشارة للمشاركة في هذا الانتخابات.

-2-

وإذا لم تكن انتخابات مجالس المحافظات العراقية الأخيرة، قد حققت أي تطبيق ديمقراطي كلي، أو جزئي، أو أي ممارسة ديمقراطية، فيكفيها أنها كانت شهادة موثَّقة وصادقة على تحسّن الوضع الأمني في العراق بشكل كبير، قياساً لثلاث سنوات خلت، عندما أُجريت الانتخابات التشريعية العراقية عام 2005.

لقد شكك بعض المراقبين والصحافيين الأجانب، بأن تكون انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة انتصاراً للديمقراطية العراقية الناشئة، وقال ميخائيل نليتس مدير برنامج العراق في «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، أنه على الرغم من أن هذه الانتخابات قد سارت بسلاسة، بعيداً عن موجات الإرهاب العنيفة والتهديد المباشر بعدم التوجه لصناديق الاقتراع، التي شهدتها الانتخابات التشريعية 2005، وسخرية الزرقاوي من الديمقراطية، وتحريمه لها، فإن الوقت لم يحن بعد للاطمئنان. وهذا- في رأيي المتواضع - واقع طبيعي، لتجربة ديمقراطية حديثة، كالديمقراطية العراقية. فالشعب العربي ليس وريث تاريخ سياسي عريق في الديمقراطية، كما هي الحال عند الغرب، الذي ورث الديمقراطية السياسية عن أجداده اليونانيين والرومانيين، التي كانت الديمقراطية خصوصا عند اليونان في أجلِّ صورها، وأرفع قيمها، وكلنا يذكر الحاكم اليوناني بيركليس (490-429 ق.م) الذي حكم أثينا ثلاثين عاماً، وكان يترشح ويُنتخب كل عام، من قبل شعب أثينا. وقد ورث الغرب من ضمن ما ورث من تراث الإغريق والرومان هذه القيم الديمقراطية، وطبّقها واحترمها. ويعتبر الغرب امتداداً تاريخياً وحضارياً لليونان، والرومان.

أما نحن العرب، فتاريخنا السياسي لا يشتمل على مثل هذه النماذج، أو مثل هذه القيم السياسية، فكان مسار الديمقراطية العراقية منذ أربع أو خمس سنوات حتى الآن، إنجازاً سياسياً كبيراً في العالم العربي.

-3-

يشير المراقبون إلى عدم الرضا عن انتخابات مجالس المحافظات العراقية، عند طائفة من العراقيين، ولعل تعليل ذلك، يعود إلى كثرة عدد الفاشلين في هذه الانتخابات، التي بلغ عدد مرشحيها 41 ألف مرشح، وبهذا يكون عدد الفاشلين الذين يطعنون في هذه الانتخابات، أكثر منهم في السنوات السابقة، ولكن عدم الرضا عن هذه الانتخابات، لا ينحصر بعدد الفاشلين، ولكنه يتعدى إلى الضغوط المالية والعشائرية والطائفية، التي مورست في هذه الانتخابات على الناخبين من قبل المرشحين. كما يعود إلى أن الفساد المالي الكبير في الإدارة العراقية، والذي أشرنا له في مقالات سابقة، هنا على هذه الصفحة، امتد أيضاً- وبطبيعة الحال- إلى ماكينة انتخابات مجالس المحافظات، وربما ينساق أيضاً على أي انتخابات قادمة، فإذا الخوف والرهبة والخشية من التعذيب، كانت تسوق الناخبين العراقيين في عهد صدام إلى صناديق الاقتراع لتظهر نتائج الـ99.9% المعروفة، فإن الذي يسوق العراقيين الآن- ولكن ليس كلهم- إلى صناديق الاقتراع، الضغوط العشائرية، والقبلية، والطائفية، والمالية، التي يحتاج العراق إلى وقت طويل للتخلص منها. ولكن- والحق يقا- إن الناخب العراقي بعد خمس سنوات من الحرية والتحرير، بدأ يتخلّص شيئاً فشيئاً، من الضغوط القبلية والطائفية، ويعطي صوته لمرشح الحق والقانون، بغض النظر عن طائفته، وعشيرته، وهذا إنجاز كبير، قياساً بدول عربية أخرى.

-4-

كانت الأصابع البنفسجية، التي رفعها بعض الناخبين العراقيين، في انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة، رسالة واضحة وبليغة إلى السياسيين العراقيين أجمعين، تقول لهم:

ها نحن جئنا إلى صناديق الاقتراع، كما جئنا من قبل، في الانتخابات التشريعية 2005، وكان ذلك تحت القصف والقتل والخطف والتهديد، وقد أدينا واجبنا الانتخابي المسؤول اليوم، وقبلها في 2005، وبقي عليكم واجب كبير ومسؤول أيضاً، عليكم تأديته، لكي تبقى الديمقراطية، وشفافية صناديق الاقتراع نابضة. والواجب الكبير والمسؤول المطلوب من السياسيين العراقيين، هو متابعة حفظ الأمن، وترسيخ الاستقرار، ومحاربة الفساد المالي والسياسي المستشري في الإدارة العراقية، وحل مشكلة البطالة، وتخفيف نسبة الفقراء، والعاطلين عن العمل. فحالة الشعب العراقي- بفعل الدكتاتورية- يُرثى لها، وعندما نرى بعض المشاهد للشعب العراقي الفقير والمشرد والقاطن في بيوت الطوب والصفيح، دون أي خدمات تُذكر، نحسب أن هؤلاء يعيشون في الصومال أو في دارفور، أو في إحدى الدول الإفريقية الفقيرة جداً، في حين أن العراق يملك ثاني أكبر مخزون من النفط في العالم، ولكن منظمة الشفافية العالمية قالت لنا- كما عرضنا في مقالات سابقة- أين تذهب أموال صادرات النفط العراقي. وكل ذلك يمكن حلّه مع الزمن وسريعاً، مادام الركنان الأساسيان وهما الحرية والديمقراطية، قد أُرسيا في بناء العراق الجديد، فهذان الركنان الأساسيان هما الطبيبان النطاسيان الماهران، والكفيلان بمعالجة الأمراض، التي تُصاب بها شعوب ودول العالم الثالث، ومن دونها تستفحل هذه الأمراض، وتصيب هدفها بالقتل، أو بالعجز، في معظم الأحيان.

وقد قرأنا في المدة الأخيرة، في الإعلام العراقي الحكومي والأهلي المقروء، والمسموع، والمرئي، في داخل العراق، وخارجه، كيف أن هذا الإعلام قد كشف بكل شجاعة وصدقية، عن مظاهر الفساد المالي والسياسي، الذي ينهش العراق الجديد الآن، وذلك كله بفضل شبه رسوخ ركني الحرية والديمقراطية، في البناء التأسيسي للعراق الجديد.

يقول الكاتب الأميركي وولتر كروفورد، إن الجميع في العراق يريدون إعطاء الفرصة للديمقراطية لكي تنجح، وفي الحقيقة هناك إيمان عميق بالديمقراطية، وهو إيمان يندر وجوده في العالم العربي، الذي تربى على الحكم السياسي الدكتاتوري منذ قرون طويلة، ورغبة كل العراقيين في إعطاء الفرصة للديمقراطية لكي تنجح، فرصة ذهبية ثمينة للعراق، لكي يكون الدرس النموذجي لبقية البلدان العربية، التي مازالت بعيدة عما حققته الديمقراطية، في العراق الجديد، بمراحل كثيرة.

* كاتب أردني

back to top