من أكثر الأسئلة إلحاحاً هذه الأيام، السؤال الخاص بظاهرة الكتابة الفضائحية، أو الكتابة الخاصة بتعرية الغرائز، والكشف عن الشهوات وأسرار العلاقات الجسدية وخفاياها...

Ad

هذا السؤال يداهمني عند كل مقابلة صحافية، لأنه بات موضة العصر، ومن أولويات الحوار والمكاشفة.

والسبب الدافع له هو ازدياد الكتابة في هذا المجال وانتشارها، وظهور جيل جديد من الكاتبات العربيات كتبن هذه التجارب الجريئة وتكلمن عن العلاقات الجنسية بجرأة غير عادية، وكشفن عن الغرائز المطمورة تحت سنوات من الهيمنة الذكورية وقمع المحظورات.

فيضان الإباحة هذا أثار هوجة من الأسئلة والتعليقات، فنحن من عالم لم يعتَد على هذه الحريات بعد، خصوصا كتابات الجسد الآتية من النساء.

هذه الكتابة وليدة زمن الحرية والانفتاح الإعلامي هذا.. زمن السبق السريع، الخطف الوامض، والقطف قبل النضج.

المهم هو اقتطاف تفاحة الشهرة بأي وسيلة وبأي طريقة كانت.. وبما أن الكتابة عن الأديان والجسد من المحرمات المحظور تناولها.. أتاح لها هذا الانفتاح القدرة على التعبير والبوح والمواجهة.

ولأن الجسد غابة داكنة في وعورتها وبدائيتها، ومازال لحمها نيء شهي وطازج، غامض ومثير لشهوة الكشف والهتك والتناول، فثمة ضرورة تنادي الجميع في البحث والفضح والكتابة.. وليس هناك ما يُخيف..

دع الجميع يكتبوا.. ويعبروا عن المكنون..

وبالتالي سيُزاح الستار عن ذلك المجهول الساكن في عتمته، وخلف أضابير الممنوعات المحظورة.

وكلما كُتب عنه أكثر قلّ الاهتمام به، وأصبحت معرفته مشاعة، ورخصت قيمة الاهتمام به.

وهناك كتابة «بورنوغرافية» وهي المشاع الأكثر ابتذالاً، ستصفي نفسها بنفسها، وأمرها غير مهم، وهي ليست أكثر من كشف رخيص سينتهي بكثرة المطروح منها..

نحن شعوب مقموعة والجسد مسجون تحت طبقات من المحظورات، الآن بدأ التحرر منها، فلابد للموجة أن تأخذ وقتها وتنتهي.

انظر إلى التجربة الأوروبية بعد أن تم رفع التشفير عن قنوات أفلام «البورنو»، ما عادت تثير الاهتمام بها.

ونحن في الماضي ما كنا نستطيع مشاهدة قبلة في التلفزيون بحضور والدينا وإخواننا الشباب.. الآن العائلة كلها تشاهد المشاهد الساخنة في «الفيديو كليب» من دون أي اهتمام أو إحساس بالعيب، وكأنه شيء عادي هذا العرض الإباحي.. اعتاد الجميع عليه وفقد إثارته.

لذا المزيد من هذه الكتابات سينتهي إلى أن يُصبح أمراً طبيعياً، فلا يتهالك الجميع نحو شهرة مبتذلة رخيصة.

وليست كل كتابات الجسد مبتذلة، فيجب أن نفرق بين الكتابة «البرنوغرافية»، والكتابة «الايروتيكية»..

فالكتابة الايروتيكية هي الأكثر عمقاً، والبحث فيها هو البحث عن فلسفة هذا الجسد، والكشف عن غموض الشهوات الملتبسة فيه، وإدراك أسرارها، وبواعثها، وعتمة ماضيها المنغلق..

وهذه الكتابة هي أجمل ما كُتب في تراثنا العربي وهي رقائق في العشق والعشاق.

وهذا هو طريقي المفضل في كتابة بوح الجسد عن تضاريس أشواقه وأشواكه الخافية.