ست حقائق أفرزتها الانتخابات الأميركية
أخيراً انتهى موسم الماراثون الانتخابي الطويل بفوز باراك حسين أوباما الرئيس الـ44 للولايات المتحدة، لكن فوزه ليس نهاية للسجال بينه وبين منافسه جون ماكين، أو وضع حد للصراع والمنافسة بين الحزب الجمهوري «المغلوب» والحزب الديمقراطي «الغالب».ولهذا يمكن القول إن موسماً جديداً من الجدل والسجال سيبدأ مع كل خطوة يتقدم بها أوباما، لاسيما وهو أول رئيس أسود في تاريخ الولايات المتحدة، خصوصاً بعد نحو أربعة عقود على طي صفحة التمييز العنصري، التي ماتزال تأثيراتها وثقافتها موجودة لدى أوساط غير قليلة من المجتمع الأميركي، كما أنه أول رئيس من الجيل الثاني الذي ولد بعد الحرب العالمية الثانية، وهو في الوقت نفسه أول رئيس ديمقراطي بعد أن حكم الحزب الجمهوري لمدة 8 سنوات (دورتان).
وإذا كان أوباما قد نجح في عرض برنامجه الانتخابي وأظهر براعة كبيرة في التقدم على منافسه ماكين، جاذبية وأداءًا وتأثيراً، فهل سينجح في سياساته العملية على صعيد الداخل الأميركي؟ إذ إن هناك مشكلات كبيرة تتعلق بأكثر من 40 مليون إنسان يعيشون تحت خط الفقر، إضافة الى تحقيق دولة الرفاه، لاسيما تحسين مجالات الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي والأجور وغيرها. وهل سينجح على الصعيد الخارجي؟ حيث تواجه الاستراتيجية الأميركية اخفاقات كبرى ابتداءً من موضوع مكافحة الإرهاب الدولي ومروراً بتحالفاتها القلقة، خصوصاً بعد بوادر عودة الحرب الباردة بتحرك الدب الروسي، فضلا عن تباين بعض سياساتها مع الاتحاد الأوروبي، ناهيكم عن الورطة الكبيرة في العراق وأفغانستان، وانتهاءً بالأزمة المالية الطاحنة.وهناك أسئلة كبرى ستواجه أوباما: هل سيتمكن من رفع مؤشرات البورصة وكيف؟ وهل يستطيع وضع حد للركود والكساد الاقتصادي بسياسات عاجلة ومؤثرة؟ وما هي خططه لتقليل سوء توزيع الثروة، لاسيما اتساع ظاهرة الفقر المدقع لحوالي ربع السكان؟ وهل سيتمكن من إنهاء الحرب في العراق ووقف القتال في أفغانستان؟ وكيف سيتعامل مع الملف الايراني والسوري والكوري؟ وكيف سيواجه القطب الروسي وهو يحاول بسط نفوذه على جيرانه من الجمهوريات السابقة التي كانت جزءًا من امبراطويته المنحلّة، في حين تريد واشنطن نصب دروع صاروخية فوق أراضيها (جمهورية التشيك وجمهورية بولونيا) وأخيراً مشاكل جورجيا وأوكرانيا وغيرها.كل هذه الأسئلة ستواجه الرئيس الجديد الذي سيتربع على القمة في البيت الأبيض، ولعلها مفارقة حقيقية حين يكون الرئيس الأسود في البيت الابيض، الأمر الذي قد يضاعف المشكلات ويثير الكثير من الإشكالات الجديدة، وقد لا يكون بعضها في الحسبان.لعل فوز أوباما يفرز عدداً من الحقائق، لابد من أخذها بعين الاعتبار، وهي حقائق ستكون مؤثرة لا في الولايات المتحدة فحسب، بل على النطاق العالمي، لما للولايات المتحدة من تأثير ونفوذ سياسي واقتصادي وعسكري وثقافي وعلمي:الحقيقة الأولى: أن استطلاعات الرأي العام كانت قريبة من الواقع، ورغم محاولات التشكيك فيها باعتبارها مضللة وضرورة عدم اتخاذ موقف متسرع يتم بناؤه عليها، إلا أنها كانت، وكما هي المؤشرات، أقرب إلى نبض الناخب الأميركي وعكست توجهاته ومزاجه، لاسيما بعد مرحلة من التراجع والنكوص التي شهدتها رئاسة بوش، وتردي سمعة الولايات المتحدة. الحقيقة الثانية: أن الحزب الجمهوري سيكون خارج الحكم بعد أن حكم ثماني سنوات متتالية (دورتان)، ولعل أخطاء الرئيس بوش تجعله قعيد النظر ببرامجه وسياساته الخاطئة، التي لن تعيده إلى السلطة بسرعة مثلما حصل مع حزب المحافظين البريطاني الذي خسر السلطة عام 1997 وظل يعيد حسرات على استعادتها، ولكن دون جدوى.الحقيقة الثالثة: أن الحزب الديمقراطي الذي فاز بالسلطة، لا بد له أن يكون أكثر واقعية واحساساً بالمسؤولية، لاسيما بعد توليه الإدارة، أي أن عليه أن ينتقل من فكر «المعارضة» إلى فكر السلطة، ولابد أن يكون أكثر تعقلاً إزاء الممكن- وليس الطموح- فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والسياسة الاقتصادية والسياسية الخدمية والسياسة الإصلاحية. وهذه مسؤوليات ليست أميركية فحسب، بل مسؤوليات كونية بعضها قانوني حسب ميثاق الأمم المتحدة وعضويتها الدائمة في مجلس الأمن، مثلما هي مسؤوليات واقعية وفعلية بحكم تأثيرها وانعكاسها العالمي.الحقيقة الرابعة: لابد من عقد مساومات واتفاقات بين الحزبين، والا فإن الانفراد بالحكم قد يؤدي إلى استمرار الكارثة، خصوصاً الخلافات بين الرئاسة والكونغرس. وقد شهدت فترة بوش صراعات كادت أن تعطل الاستحقاقات الضرورية، الأمر الذي بحاجة إلى توافقات للخروج من المأزق ووضع حد للسياسات المغامرة والخاطئة التي أضرت بالولايات المتحدة مادياً ومعنوياً.الحقيقة الخامسة: أن أوباما لا يملك عصا سحرية يحل بها المشاكل جميعاً، ورغم القدر الكبير من الابتهاج والتفاؤل لرحيل إدارة بوش، فإن الحقائق تفرض نفسها بسرعة، فالرئيس الجديد لا يمكنه وليس باستطاعته أن يغير الأمور دفعة واحدة، لأنه لا يملك القوة والنفوذ دون دعم الشركات المتعددة الجنسيات أو ما فوق القومية، ودون دعم المجتمع الصناعي- الحربي الذي جاء به إلى الحكم ودفع بتكاليف حملته الانتخابية الباهظة التي تعتبر أضخم حملة في تاريخ الانتخابات الأميركية والدولية، حيث شملت بضعة مليارات من الدولارات.الحقيقة السادسة: أن السياسة الخارجية التي هي امتداد للسياسة الداخلية وانعكاساتها وتعبيراً عن المصالح الاقتصادية، تلعب دوراً كبيراً بخصوص المستقبل السياسي للحزب أو المرشح، ولهذا فإن فيروس العراق ترك تأثيراته على عموم السياسة الاقتصادية والانفاقية والمالية والمصرفية في الولايات المتحدة، سياسياً وعسكرياً واجتماعياً ونفسياً، الأمر الذي ينبغي أخذه بالحسبان دائما، لاسيما بعد انخفاض سعر الدولار، وصعود ومن ثم انخفاض أسعار النفط، وقبل ذلك أزمة الرهن العقاري، وأخيراً الأزمة الاقتصادية والمالية الطاحنة التي عاشتها الولايات المتحدة وانعكست على الصعيد العالمي، والتي تعتبر أكبر أزمة اقتصادية عالمية منذ أزمة 1923-1933 حين شهد العالم كساداً وركوداً اقتصادياً هائلاً، فاق أزمة السبعينيات بكثير.الحقيقة السابعة: أن الحرب هي امتداد للسياسة على حد تعبير المفكر النمساوي كلاوس فيتز، بمعنى أن الحرب هي سياسة بوسائل عنيفة، ولذلك فإن النجاح العسكري، سيكون وراءه نجاح سياسي، والعكس صحيح أيضاً، ولذلك فإن إعادة النظر بالسياسة الحربية انطلاقاً من الفشل الذي أصاب الولايات المتحدة، أمر قد لا يستطيع أوباما التخلص من تأثيراته، لكنه قد لا يستطيع تحمل أعبائه؟ فهل سيتمكن من الايفاء بوعده ببدء انسحاب أميركي من العراق في أواسط العام القادم 2009، لينهي الوجود العسكري الأميركي خلال 18 شهراً، كما قال. ولاشك أن توقيع الاتفاقية العراقية- الأميركية سيضع أمامه حقائق جديدة، وهذا هو ما يريده الرئيس بوش كي يجعل الأمر الواقع واقعاً، ومن جهة أخرى هل تستطيع القوى العراقية أن تحسم أمرها لتنتظر ما سيتمخض عن الرئاسة الجديدة، قبل اضطرار من يريد التوقيع على الاتفاقية؟ *باحث ومفكر عربي