عندما يزور أحمدي نجاد تركيا في ظل احتجاج إسرائيلي صريح وفشل أميركي واضح لثني حكومة أنقرة عن استقباله، وفي ظل تصريحات تركية رسمية تفيد بأنها تسعى إلى زيادة حصتها من صادرات الغاز الإيراني إليها بعد أحداث جورجيا، وفي ظل أنباء موثقة بأن البلدين يتجهان إلى عقد اتفاقيات تعاون تجارية جديدة من بينها تعزيز التعاون في مجال الطاقة، فإن ذلك لا يفهم إلا أنه نجاح حقيقي لإيران يتمثل في اختراقها لـ«الناتو»، ولو من البوابة التركية.

Ad

هذا النجاح وتاليا الاختراق لا يأتيان البتة من فراغ، فهما تراكم وقائع وأحداث وسياسات!

الرئيس التركي عبدالله غول وفي محاضرة مهمة له ألقاها بواشنطن في يناير الماضي قال فيها رداً على اعتراضات أميركية جدية على علاقته بطهران «إن حدود بلادنا مع إيران مستقرة ولم تتعرض لأي اهتزاز منذ عام 1636، كما أن علاقات بلدي مع إيران هي أعرق وأطول من عمر الولايات المتحدة الأميركية...». وأما اليوم، فإن وزير خارجية إيران منوشهر متكي وفي تصريح له لصحيفة تركية عشية سفر أحمدي نجاد إلى اسطنبول فقد قال «إن تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي بين بلدينا سيفضي بالتأكيد إلى تعاون أمني قوي بما يحفظ أمن واستقرار الإقليم».

وهذا الكلام يقوي الاعتقاد السائد هنا في أوساط العارفين بخفايا وخبايا الأمور بأن ثمة توافقا، إن لم نقل تحالفا ثلاثيا، بدأ يتبلور بين طهران وأنقرة ودمشق سيجعل من الدول الثلاث قوة إقليمية أساسية تسعى إلى لجم جموح الأميركيين في المنطقة، وهو بالمناسبة التعاون نفسه الذي كان قائما أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد على خلفية مواجهة التطورات الأمنية الخطيرة وقتها التي كانت تواجه البلدان الثلاثة من مثلث التمرد الكردي في حينها، وقد يكون اليوم أيضا واحداً من العوامل المهمة التي أعادت إحياء المثلث المذكور!

لكن اللافت بشكل كبير وواسع هو ما جرى في الأيام الأخيرة من مواجهة شبه مكشوفة على التخوم الشمالية لهذا المثلث بين الأميركيين والروس على المسرح الجورجي، والتي يقول كثير من الأوساط المتابعة هنا إن الرابح الآخر من ورائها من خارج المتحاربين قد يكون هذا المثلث وإيران بالدرجة الأولى!

صحيح ان الربح لن يكون بائنا في الوقت القريب، لكن شكلا من الحرب الباردة قد يكون في طريقه إلى التبلور بين واشنطن وموسكو قد يكون فضاء مناسبا لتلعب فيه كل من دمشق وطهران بشيء من المناورة، ما يفيد للافلات من استحقاقات لكونهما دولتين أعضاء في مثلث الشر الأميركي، بينما ستجد روسيا نفسها في أجواء أقرب ما تكون إلى دور «المحلل» في عديد من الملفات الساخنة والمستعصية حلها على الدول العظمى، وهو ما كانت قد تنادت إليه أصلا من خلال الوساطة التي بدأتها مبكرا بين الإسرائيليين والسوريين... وها هي اليوم تدخل بقوة على الصراع في القوقاز، فضلا عن الدخول في نادي الفاعلين والمؤثرين في أزمة الملف النووي الإيراني!

في الأحوال كلها، فإن حرب القوقاز وما تبعها من تداعيات في العلاقات الأميركية-الروسية ستفتح الباب واسعا أمام الدول الإقليمية المؤثرة في ما كانت واشنطن تريده شرقا أوسطيا جديدا، لتشكله هي على مزاجها ومقاييسها وليس على المقاس الأميركي بعد أن خسرت واشنطن الحرب في القوقاز!

وبالتالي يمكن القول بملء الفم إن نواة جبهة إقليمية أفلتت من الإملاءات الأميركية، هي إحدى نتائج حرب القوقاز بامتياز!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي الإيراني