لا أحد في طهران يتوقع مواجهة شاملة في الأفق مادام الفريق الحربي الأميركي ووكيله الإسرائيلي في طريقهما إلى الرحيل من المسرح السياسي الدولي قريبا حاملين معهما «خُفي حُنين»!

Ad

هل يعني هذا أن معركة «تأميم» الطاقة النووية أو بتعبير آخر «الكفاح من أجل الاعتراف» بالدور الإيراني والموقع الذي تعتقد طهران أنها تستحقه في المعادلة الدولية قد انتهى؟!

بالتأكيد الجواب كلا، لكن القدر المتيقن من الإنجاز هو أن طهران استطاعت أن تجبر أصحاب نظرية الحروب الاستباقية الذين اختطفوا المجتمع الدولي على مدى السنوات الثماني السابقة، ومعهم المتهورون الإقليميون من عتاة الإرهاب ومرتكبي جرائم الدولة المنظمة على ترحيل سيناريوهات المجابهة الشاملة في الإقليم إلى خلفائهم، حاملين معهم وهم يغادرون المسرح الدولي حسرة تكرار السيناريو العراقي مع طهران!

قد يرى بعض المتتبعين لهذا الملف، في وجهة النظر الآنفة الذكر الكثير من المبالغة في تقييم الأداء الإيراني والكثير من التفاؤل غير المبرر في انتفاء سيناريو الحرب فيما تبقى من عهد المحافظين الجدد، وفريق عمل العسكريتاريا الأميركية الإسرائيلية، لكن الأشهر القليلة المتبقية ستثبت لنا جميعا كم كان هذا البعض مسكونا بماكينة الدعاية والحرب النفسية التي صرف عليها الفريق الحربي الآنف الذكر عشرات الملايين، إن لم يكن مئات الملايين من البترودولار الدولي والإقليمي!

ليس الآن هو الوقت المناسب لإصدار الحكم النهائي على أي من الفريقين كان على الصواب، لكن اتفاق الدوحة اللبناني رغم تعثراته الظاهرة وسيناريوهات محاولة إعطائه صفة «مع وقف التنفيذ»! كان ولايزال الملمح المهم في رسم الصورة المتاحة لعالم ما بعد المتهورين الدوليين والإقليميين والمحليين في كل قطر من أقطار ما حلمت به «الآنسة» رايس من شرق أوسط جديد! لقد سقطت نظرية «سطوة القوة الغاشمة» أو المفرطة، التي ظن الكثيرون أن باستطاعتها تطويع كل الإرادات المحلية في العالمين العربي والإسلامي في إطار ما كان ينظر إليه من نظرية الدومينو على خلفية غزوة تورا بورا وحرب التضليل والخديعة الكبرى ضد بلاد الرافدين!

فقد صمدت دمشق رغم كل ما أصابها من أعراض الصدمة الأولى، وتصدت بيروت لكل سيناريوهات الفتن المتنقلة والفوضى البناءة التي كان يهيأ لها كبديل للخيار العراقي المتهافت، وتجاوزت فلسطين وغزة هاشم حصار «شعب أبي طالب»، وها هي طهران تعبر آخر مضائق الحصار وسيناريوهات الحرب الشاملة رغم كل التسخين والتهديد والوعيد بتكرار السيناريو العراقي!

هذا بينما يستعد المتهور الدولي ورفيقه الإقليمي لمغادرة المسرح الدولي بزيارات وداعية للرفاق من «أوروبا العجوز» إلى رواد ثورة الأرز، مربتين على أكتاف حلفائهم بأنهم لايزالون عند وعودهم رغم «اتفاق الدوحة التسووي» كما قالت الكوندارايس في جولتها التوديعية للبنان و«على الوعد يا كمون» كما يقول المثل!

العارفون ببعض خبايا التنافس الخفي بين «أوروبا العجوز» -حسب وصف كولن باول طبعا- ورواد الحروب الاستباقية من المغامرين الجدد، لطالما حملوا الرسائل الخفية إلى العواصم الإقليمية المعنية وفي مقدمتها طهران، والتي مفادها أن اشتروا الوقت بقدر ما تستطيعون، فإن أوروبا هي الأخرى بحاجة إلى هذا الوقت الذهبي حتى تمر العاصفة بأقل الخسائر الممكنة!

والآن ثمة من يرى في الأفق نوعا ما من أنواع «معادلة ربح ربح» في المفاوضات الجديدة التي بدأت بين أوروبا وإيران انطلاقا من زيارة سولانا الأخيرة إلى طهران على خلفية «الرزمة الإيرانية» مقابل «الرزمة الأوروبية « وذلك على حساب معادلة «ربح خسارة» التي سعت أميركا إلى فرضها على أجواء المفاوضات طوال السنوات المنصرمة، لكنها أخفقت حتى في إقناع الحليف الأوروبي على تبنيها الكامل ناهيك عن إخضاع طهران لها!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني